- Home
- Media Center
University Journal
كعادة أغلب أهالي مدينته الساحلية، وقع التونسي علي الغربي في غرام البحر المتوسط، ففجرت هذه العلاقة موهبةً لدى الرجل جعلت منه فنانا تشكيليا.
الغربي (45 عاما) ابن مدينة قليبية شمال شرق تونس، يقطن بمدينة حمام الشاطئ بضاحية حمام الأنف الشاطئية جنوب العاصمة، وهو أستاذ للتدريب المهني.
وخلال جولاته اليومية على شاطئ المتوسط، انتبه الغربي إلى أن البحر يلقي بقايا أخشاب قوارب وسفن وعظام كائنات بحرية.
برقت في ذهنه فكرة تشكيل لوحات تجسم مدنا تاريخية وسياحية، منها قرية سيدي بوسعيد العالمية ومدينة تونس العتيقة.
حين دخل فريق الأناضول بيت "الغربي" وجد الصالون بمثابة معرض مفتوح، فلا لوحة معلقة على الجدران أو مرآة أو أباجورة إلا من إنتاج يديه.
خشب مميز
"أنا أصيل (من) مدينة قليبية الساحلية (ولاية نابل/ شمال شرق) أعمل على الخشب الذي يلقي به البحر منذ 15 عاما".. هكذا بدأ "الغربي" حديثه لمراسل للأناضول.
وأضاف: "أنا أستاذ في التكوين المهني، وفي وقت الفراغ أعمل على ترتيب أشياء في المنزل".
وتابع: "ثم شغفت بالتصوير الفوتوغرافي، مثل تصوير المدينة العتيقة بالعاصمة تونس والأماكن القديمة والمشاهد الطبيعية والبحر".
وأردف: "وبعد فترة تكوّن لدي ألبوم هام، وبعد التشبع بتلك الصور والمناظر الطبيعية، انتقلت إلى إبداع جديد".
ومتحدثا عن مسار اختصاصه الحالي، قال: "بحثت عن المادة التي سأعمل عليها، فهناك من يعمل على التصوير الزيتي أو الطين أو الصخور وغيرها".
واستطرد: "جربت عديد المواد إلى أن وصلت لاختيار الخشب الذي يلقيه البحر كأحسن مادة يمكنني العمل عليها، فهذا الخشب عندما تنظر إليه تعتقد أن عمره مئات السنين، ويتخذ أشكالا طبيعية رائعة".
و"هذا الخشب مشبع بملح البحر، وعندما يلقي به البحر يجف على أشعة الشمس على الشاطئ، فيصبح جافا ومالحا في نفس الوقت، فيصمد لمئات السنين، وعندما تنجز به عملا يبقى لمئات السنين، وكذلك اللوحات التي تُنجز به"، حسب الغربي.
وأضاف أن "هذا الخشب فيه نوعان، خشب الغابة الذي تلقي به الأودية في البحر، وكذلك خشب بقايا السفن التي تتكسر في البحر وما يتركه النجارون من فضلات صناعة الأثاث أو القوارب ويصل إلى البحر" .
مدن عتيقة
الغربي قال: "عملت في البداية على خشب الغابة، ولكن أمام نقص الأمطار في السنوات الأخيرة، لم يعد يصل خشب من الأودية إلى البحر".
وتابع: "لكي لا أبقى عاطلا بحثت عن خشب كنت أراه على الشاطئ ولا أستعمله، وهو خشب بقايا السفن والقوارب والأثاث".
و"هذا الخشب أعانني على إبداع لوحات تشكيلية، فعملت على عدة مدن سياحية مثل قليبية وأنجزت حولها لوحة تمثلت فيها المنطقة الأثرية، مثل برج قليبية والمدينة العتيقة والبنايات القديمة"، وفق الغربي.
وزاد: "كما عملت على مدينة الحمامات (شمال شرق) وميناء بنزرت القديم (شمال) وسيدي بوسعيد، وعملت كثيرا على قرقنة (وسط شرق)، وهي جزيرة رائعة يحبها كثيرون، خاصة أبناؤها الذين عاشوا فيها مدة ثم غادروها ".
كذلك "عملت على جربة (جزيرة/ جنوب شرق) كثيرا وشنيني والدويرات (جنوب شرق)، وأكثر القرى التي تعجبني هي القرى المعلقة مثل تكرونة (شمال)"، كما أضاف.
ومن أهم المدن التي عمل عليها أيضا، حسب قوله، "مدينة تونس العتيقة، وهي مدينة في منطقة مرتفعة (..) هي جميلة لأن فيها عدة مستويات للارتفاع، وبإمكانك أن ترى كل منازلها والشمس تسطع في كل بيت".
حنين أجانب
وعن رحلة انتشار فنه، قال الغربي: "منذ بدأت العمل في 2009 كانت شبكة الفيسبوك موجودة، وأنشأت صفحة لعرض أعمالي".
وتابع: "غيرت اسمها كثيرا حتى استقر منذ 4 سنوات تحت اسم bois creation (الإبداع بالخشب)، الذي قمت بتسجيله في المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة".
وعودة إلى البدايات، قال الغربي: "بدأت العمل على لوحات لعائلتي وعلى الأباجورات ولوحات بسيطة".
وأردف: "وشيئا فشيئا بدأت تطوير أعمالي من البسيط إلى المعقد، ووصلت إلى إنجاز أعمال فريدة، ومَن يرى أعمالي في العالم يعرف أنها من إنجازي".
و"بعد نشر أعمالي على صفحتي على الفيسبوك توسعت بنشر أعمالي على صفحات عالمية"، كما أضاف.
وزاد: "كثير من الأجانب تحرك فيهم الحنين إلى مدن تونسية عاشوا فيها، وخاصة سيدي بوسعيد، فتلقيت رسائل كثيرة تتحدث عن ذكرياتهم مع المدن التونسية، وعبَّروا عن أمنياتهم بحيازة اللوحات".
مسيرة "الغربي" الفنية أوصلته إلى الحصول على بطاقة فنان تشكيلي محترف، بعد تقديم ملف كامل لاتحاد الفنانين التشكيليين عام 2022.
وحاز الجائزة الأولى في معرض الصناعات التقليدية عام 2023، بفضل إبداع منتوج صديق للبيئة عن لوحة لمدينة شنيني المسجلة كتراث عالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للعلم والتراث والثقافية (يونسكو).
مواد طبيعية
ووفق "الغربي" فإن "كل ما هو موجود في الطبيعة يمكن صياغته فنيا، وهذا ما يتميز به الفنان عن الناس العاديين".
وأضاف: "كل ما يراه الناس عاديا يراه الفنان غير عادي ويمكنه إنجاز لوحة فنية أو تحفة منه، فبقايا خشب البحر يستعمله الناس لإشعال النار، ولكن أنا أطفئه واستغل بقاياه في إنجاز لوحاتي".
وتابع: "ما ربحته من هذه الأعمال هو أن ديكور منزلي يتبدل كل شهر".
واستطرد: "وبعد أن عرفني الناس أصبحوا يرون خشب الشواطئ بعين أخرى وليس ذلك الشيء المهمل، فيأتون لي بكميات منه وأُهديهم لوحات لقاء ذلك".
وقال الغربي إن الدولة كانت تسعى لإنشاء متحف وطني للفن الحديث والمعاصر (يجمع أعمالا فنية منذ الدولة الحسينية 1705-1956 إلى اليوم، وافتُتح في سبتمبر 2022)".
وأردف: "فبعد أن كانت اللوحات مكدسة في مخزن بقصر السعيد، فكرت الدولة في صيانة تلك اللوحات وعرضها بمدينة الثقافة (في العاصمة)".
وأردف الفنان التونسي: "وعندما انتشرت أعمالي تواصل معي المسؤولون للحصول على بعضها".
وتابع: "أهديت رئاسة الحكومة لوحة تلخص المعالم المحيطة بالقصبة (جامع العاصمة) مثل الصادقية (1875م) وجامع يوسف داي (1610م) وجامع القصبة (1231م)، وهي معلقة الآن في مكاتب رئاسة الحكومة".
لوحة غزة
بكل مرارة، تحدث الغربي عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قائلا: "أحداث غزة مثلت ضغطا كبيرا عليَّ من خلال فظاعة المشاهد، وشيئا فشيئا جاءتني فكرة لإنجاز عمل حولها".
وبدعم أمريكي، أسفرت حرب إسرائيل على غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن أكثر من 137 ألف قتيل وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال.
وقال الغربي: "في البداية أنجزت إطارا لمرآة من الخشب وعظام كائنات البحر، والبعض أعتقد أنها عظام آدمية والحال أنها عظام أسماك وسلاحف ألقى بها البحر، وهي لوحة تحيل إلى الموت، وخشب وعظام هذه اللوحة جمعتها على مدى 5 سنين".
وتابع: "بعد المرآة ومع طول زمن الحرب، أنجزت لوحة خاصة بغزة يتوسطها علم فلسطين، أهديتها لسفارة فلسطين بتونس".
وعن هذا اللوحة، قال: "استعملت فيها الخشب والعظام، وترى فيها العمارات المدمرة بفعل قصف آلة الحرب الإسرائيلية".
كما ترى في اللوحة "دبابة الميركافا تقصف الناس العزل وجه لوجه، والمسجد الذي قُصف أثناء صلاة التراويح في رمضان الماضي، والعظام المستعملة في اللوحة وضعتها واقفة للقول بأنه لنا شهداء، ولكننا واقفون"، وفق الغربي.
وأضاف أنه "عندما نشرت هذه اللوحة على صفحتي على الفيسبوك تعرضت لهجوم من الصهاينة وكدت أفقدها".
وأردف: "بقيت اللوحة عندي مدة، ثم اتصلت مع سفارة فلسطين لأهديهم هذا العمل وفعلا قبلوه، وهو موجود في معرض السفارة الدائم بمقرها بتونس".
و"من تداعيات هذه اللوحة أن قلت زيارة المهتمين الأجانب بلوحاتي، وخاصة الأمريكيين، تعبيرا منهم عن رفضهم لكشف جرائم إسرائيل"، كما ختم الغربي.