- Home
- Media Center
University Journal

بدأ العد العكسي لمونديال قطر، رسمياً. بعد أربع سنوات بالتمام، في 21 تشرين الثاني 2022، سينطلق أول مونديال يقام في الشرق الأوسط والعالم العربي. شرف استضافة دولة قطر لهذا الحدث العالمي والذي نالته عام 2009، لم يكن مكسباً لكرة القدم العربية والخليجية فقط، بل فرصة لا تُعوض لتحقيق خطوة كبيرة في العمران والتنمية والتحديث، وتوسيع البنية التحتية، وصوغ صورة جديدة لهذه الإمارة في نظر العالم، بوصفها قبلة مفتوحة للرياضة وللجمهور العالمي والسياحة والتلاقي الحضاري.
الروزنامة رأساً على عقب
عندما نالت قطر موافقة الفيفا لاستضافة بطولة العالم، وجدت الحافز والعنوان كي تبدأ قفزتها في رسم نفسها على نحو معاصر وجديد. فمن يتذكر جنوب أفريقيا عام 2010، حين كانت الاستضافة الأفريقية للحدث، لأول مرة في التاريخ، فرصة لإظهار مجتمع جنوب أفريقيا ما بعد حقبة التمييز العنصري. ومن يتذكر أيضاً الاستضافة الآسيوية الأولى المشتركة ما بين كوريا الجنوبية واليابان عام 2002، بوصفها لحظة فخر قومي للبلدين، تتويجاً للازدهار والتقدم التكنولوجي والاقتصادي. أيضاً، كان مونديال روسيا هذا العام، منصة لإعلان عودة روسيا المتعافية والقوية ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وعهد الفوضى.. وعلى هذا المنوال، كان الهدف القطري إظهار تلك القفزة الكبيرة التي حققتها مجتمعات الخليج ما بعد الفورة النفطية.
الحدث القطري سيكون استثنائياً إذ سيقلب روزنامة كرة القدم ويغيرها على نحو جذري. ففي عام 2022، ستتبدل مواعيد الدوريات في كل العالم، وأهمها بالطبع الدوريات الأوروبية الكبرى، كذلك مواعيد دوري الأبطال في كل القارات، ومسابقات الكؤوس وغيرها.. إذ أن المونديال، لأول مرة لن يكون ما بين حزيران وتموز، بل في عز الموسم الكروي لمختلف أندية العالم، أي ما بين تشرين الثاني وكانون الأول.. لسبب أساسي، وهو تعذر لعب كرة القدم وحضور الجمهور إلى الملاعب في ظل مناخ الصيف الخليجي الشديد الحرارة.
تغيير موعد المونديال من الصيف إلى الشتاء، قد تكون له آثار سلبية من الناحية الجماهيرية والسياحية، فمعظم جمهور كرة القدم يتشجع للسفر في أثناء العطلة الصيفية، في حين أن الموعد القطري ليس موسم عطلة للقسم الأكبر من سكان العالم (العطلة الشتوية محصورة في أسبوع أعياد الميلاد ورأس السنة). مع ذلك، فإن تسهيلات السفر وموقع قطر الجغرافي الذي يتوسط ثلاث قارات، وحافز الهروب من مناخات البرد القارص إلى بلد يتنعم بأجواء صيفية في هكذا وقت، إضافة إلى جاذبية الحدث نفسه، ستكون عوامل قوية لحضور المشجعين مع منتخباتهم.
البداية الصعبة
في هذه الأثناء، وما بدا أنها تحديات قد تطيح بكل الطموح القطري، من حيث القدرة التنظيمية والبنى التحتية ومحدودية الخبرة وعدم وجود ملاعب لائقة، إضافة إلى متاعب قانونية أُثيرت حول نظام العمالة وقوانين العمل التي لا تتناسب مع معايير حقوق الإنسان، وعلاوة عن المتاعب السياسية التي واجهتها الدولة بسبب نقمة الدول المجاورة وأولها الجار الكبير المملكة السعودية، التي شعرت أن شرف الاستضافة كانت هي الأوْلى به، عدا عن ما قد نسميه "غيرة" الإمارات، التي ترى أنها هي من له حق صنع وترتيب هكذا مناسبات، وفق سياساتها السياحية والاقتصادية، إلى حد أنها حاولت علناً إقناع الفيفا بالمشاركة في استضافة المونديال مناصفة مع قطر... كل هذا، تحول إلى برنامج عمل قطري لمواجهة هذه التحديات بسياسة إيجابية، أو بالأحرى بسياسة رد الفعل الإيجابي، الذي يتلقف المعضلة ويعمل عليها. كانت الأجهزة الفنية وطواقمها منذ العام 2009 قد بدأت بمراكمة الخبرات، ملاحقة تجربة مونديالات 2010 و2014 و2018. وتشكلت هيئات إدارية وتنظيمية كانت حاضرة في كل شاردة وواردة بمونديال روسيا هذه السنة، حيث اكتسبت الكثير من الخبرة والعمل الإداري والتنظيمي.
هنا لا بد من التذكير، أن قطر حتى من دون المونديال وبفضل "الجزيرة الرياضية" ثم وريثتها "بي إن سبور" تعتبر هي عاصمة كرة القدم. إن الثقافة الكروية وشمولية البث المنظم لكل ما يحدث في عالم هذه اللعبة، وابتكار شبكة عالمية لتغطية المناسبات الكبرى مباشرة، هو من صنيع "بي إن سبور". إن جيلين عربيين على الأقل صاغتهما كروياً (ووجدانياً) سلسلة القنوات القطرية المحترفة.
تطور عمراني
الإنجاز الأهم بشهادة منظمة العمل الدولية، هو تعديل القوانين واللوائح التي تنظم العمالة الوافدة المنهمكة في تشييد الملاعب وشق الطرق وبناء الفنادق والمنتجعات والمرافق وحفر أنفاق المترو (حوالى 30 ألف عامل).. على نحو موائم للمعايير الدولية المتوافقة مع حقوق الإنسان. هذا الإنجاز بحد ذاته، هو تطور حقوقي وسياسي واجتماعي وثقافي لدولة قطر، لم تقترب منه بعد معظم الدول العربية، وله آثار بعيدة المدى على علاقة قطر مع نفسها ومع العالم.
يحدث الآن إعادة تشكيل قطر عمرانياً، بمناسبة بطولة العالم لكرة القدم. ثمانية ملاعب جديدة هي عبارة عن إنجازات هندسية فريدة من نوعها، إذ ستكون "مكيفة" بنظام صديق للبيئة، ومتوزعة على جغرافيا صغيرة، متقاربة المسافات، حيث 55 كم و5 كم هما أطول وأقصر مسافة بين استادين. وهي فرصة أمام المشجعين، ولأول مرة في تاريخ البطولة، لحضور أكثر من مباراة في يوم واحد. كما أنها ستسهل على المشجعين حركة التنقل من استاد لآخر بكل يسر، بفضل شبكة مواصلات حديثة ومتكاملة ما بين الباصات والمترو والوسائل الأخرى.
وبفضل ورشة البناء الهائلة اليوم، سيتاح أمام المشجعين والزوار خيارات سكن عديدة تلبي تطلعاتهم وتلائم ميزانياتهم، بما في ذلك غرف فندقية من فئة الثلاث إلى خمس نجوم. كما ستتوفر غرف على متن بواخر سياحية، وأماكن إقامة في مخيمات صحراوية، مصممة وفق الطراز العربي التقليدي، وسيتنعمون بمناخ تتراوح درجة الحرارة فيه ما بين 18 و24 درجة مئوية، ما يوفر طقساً مثالياً للتمتع بالمباريات وتزجية الوقت والتنزه وقضاء الأمسيات في ربوع المدن القطرية وعلى الشواطئ.
إشارة حساسة
ولأن المسافات المتقاربة ستميز البطولة في قطر، لن يتكبد المشجعون والزوار واللاعبون عناء السفر والتنقل لمسافات طويلة، خلال فترة البطولة. واستلهاماً من التجربة الروسية، ستعمل الإدارة التنظيمية للمونديال القطري على إصدار بطاقات هوية المشجعين لتسهيل تدفق الزوار إلى قطر عام 2022، مع منح مواطني 80 دولة حرية الدخول إلى دولة قطر من دون الحاجة لإصدار تأشيرة.
بقيت إشارة حساسة للكثير من جمهور "الفوتبول"، فمع أن المشروبات الكحولية ليست جزءاً من الثقافة القطرية، ولن تكون متوفرة في كل مكان، إلا أنه سيتم تخصيص أماكن معينة لشرائها، كالفنادق وغيرها. وهذا يدل على قدرة المجتمع القطري على الترحيب بالآخر وبالثقافات الأخرى. هذا بحد ذاته واحد من الآثار غير المنظورة التي يطبعها المونديال، بوصفه لحظة تتوحد فيها مشاعر البشرية على الاحتفال والتواصل والتفاهم. هذه هي قوة كرة القدم في جمع العالم.