- الرئيسية
- المركز الاعلامي
صحيفة الجامعة
السرد الذاتي يواجه عناء الحرب في اليمن - صحيفة الجامعة
"سوار النبي" لعبدالله شروح من أوائل النصوص السردية التي تجري محاسبة أولية جريئة لمرحلة راهنة مهمة في تاريخ اليمن.
من الوعي إلى السياسة السرد المخطوف
نص يصعد من وسط المعاناة، وإن كان بنَفس ذاتي وتجربة شخصية
النص يمتد لقراءة المشكلة اليمنية بكل تبعاتها، ويضع التساؤلات العميقة أمام القارئ
ينتمي هذا النص السردي إلى الحقبة الجديدة في الأداء السردي اليمني لجيل الشباب وانبعاث الاهتمام بالسرد صناعة وقراءة، والشكل الجديد أيضًا من السرد المندغم بالحالة العامة للمجتمع اليمني، الحرب وانعكاساتها وآلامها، السياسة وآثارها، العادات المجتمعية المتعمقة، واختلافات الطموح والتفكير والسلوك بين جيلين معاصرين على الأقل.
يكاد هذا النص السردي أن يكون من أوائل النصوص السردية التي تجري محاسبة أولية جريئة لمرحلة راهنة مهمة في تاريخ اليمن لا تزال تمضي بكل عذاباتها، إنه نص يصعد من وسط المعاناة، وإن كان بنَفس ذاتي وتجربة شخصية؛ لكنه يمتد لقراءة المشكلة اليمنية بكل تبعاتها، ويضع التساؤلات العميقة أمام القارئ للتفكير المجهد في حل المشكلة اليمنية من الوعي إلى السياسة.
يلامس السرد المخطوف بصيغة الأنا، وهيمنة الراوي ومن قبله الروائي على ممكناته؛ يلامس وقوع اليمن في أطماع المشروع الإيراني، ولعل العنوان "سوار النبي" اختزل هذه البؤرة العميقة للسرد بدوره، وألمح إلى الرغبة الفارسية في استعادة ما تظنه حقاً في النفوذ التاريخي على اليمن من بُعد طائفي، وانعكاس هذا الحلم بامتدادات مجتمعية ومذهبية تجذرت وأوصلت اليمن لهذه الحالة المريعة، التي تحكيها عذابات شاب شردته الحرب ومنعته من تحقيق طموحاته ورمته في المجهول، باعتباره مثالاً رمزيا لعذابات شعب بأكمله يصرخ الآن بمثل هذه الأنات وأكثر.
يسير السرد في حقل ألغام بحذر في حديثه عن فساد في الشرعية أيضاً بموازاة مشروع الموت الحوثي، وإخفاقات عديدة فرضتها الحالة السياسية أدت إلى وضع اليمن في حالة من التيه وفقدان الدولة، فقد معها اليمنيون المدينة البسيطة التي تحلم بالنهوص كما فقدوا أيضا القرية كفضاء مكاني يمثل مخزون القيم والنقاء والعادات الأصيلة.
رمزية الحدث في الرواية يتوافق مع توظيف الشخوص فيها، إذ يسوق النص من وراء كل موقف وشخصية دالة رمزية تضع أبعادًا للمشكلة اليمنية ليست السياسة سوى حصيلة تراكم موجوع من الإخفاقات العميقة، كما ليس التدين والوعي المجتمعي وأعرافه بمنأى عن المساءلة.
السرد النابع من عذابات البطل المتواري اسمًا، الناضح هيمنة على السرد، يكاد يحتفي بالحالة الراهنة اليمنية، متنقلاً في فضاء مكاني يمثل تجربة شخصية لكنها تحاول تمثيل كل مناطق اليمن وأبنائها في تشريح ووصف النكبة الشاملة، ولعل انقسام الفضاء المكاني من صنعاء إلى ذمار ومأرب وعدن وحضرموت والريف في أتون التفكك واللادولة يسهم في هذه الرؤية السردية الناقلة للمأساة بعمومها، على أن الفضاء الزمني المحصور في نطاق السنوات الراهنة للحرب يؤطر كل هذه العذابات، ليترك القارئ على أعتاب الوجع مبدياً له مآلات الصراع والحرب والتشظي بشكل ألم صارخٍ لا يخطئه القارئ.
رمزية الحدث في الرواية يتوافق مع توظيف الشخوص فيها
لقد تمثل السرد بلغة شعرية في أعطافه، وإن كانت تتزيا بمحاولات التملص من أغوار السهولة إلى طرق التعبير المُظنى، لكنها - أي اللغة- شكلت في الرواية ملمحاً متقدمًا للغة تحاول أن تؤطر السرد في إطار البراعة مدعومة بثقة الخيال والواقعية في آن، مبدية رغبة في استلاب القارئ لمجاهيل النص قدر الإمكان.
يحاول الروائي اليمني عبدالله شروح بهذا النص السردي المبهج صناعةً وتشكيلاً، تقديم تجربة روائية يمنية جديدة، ضمن مشهد روائي يمني لم يزل يحاول النهوض والتقدم لمجايلة نصوص عربية وتجارب متقدمة، وقد استطاع الروائي الشاب بهذه التجربة الأولى أن يحجز مكاناً جيدًا في هذا الطريق، ينتظر نضجاً سردياً يقدم الرواية اليمنية بشكل قريب من المعاناة والطموح، والرغبة في صناعة السرد بكل حمولاته وتعقيداته بشكل لافت يصنع الحكاية المائزة وينقل التجربة المعبرة.
يبقى التأكيد على أننا أمام نص عابر للتجارب السردية اليمنية، مقتحماً خطاً جريئاً من التناول والعبارة، لا يعتد بتقليدية النص اليمني الموغل في البعد عن الواقع والتهرب من تناول السياسة والحالة المجتمعية مُشكلاً من الحكاية والحدث والشخوص واللغة والفضاء الزمكاني وكل هذه الممكنات السردية؛ صرخة إبداعية جديدة تنضاف إلى محاولات الإبداع التصدي للحديث بهموم الناس والتعبير عن أهوالهم بشكل لا يأبه لتوازنات السياسة والأحزاب، ويرتفع بها عن التناولات السطحية للشأن العام في المقايل والبيانات وشكول التعبير في وسائل التواصل الاجتماعي.