- Home
- Media Center
University Journal
المشهد في شارع خالد بن الوليد، أحد الشوارع في مدينة طنجة المغربية والمعروف بكونه مكان للمومسات والقمار افتتح متجر مملوك من قبل فرنسيين ليشكل حلقة للتبادل بين الثقافتين الأوروبية والأفريقية.
تدخل مجموعة من كبار السن من المغتربين وهم يتعرقون – معظمهم من الفرنسيين والأوروبيين – وقد علقوا تحت لظى طنجة المتوهج. كان الرجال يشعرون بالحر الخانق من خلال سترهم المصنوعة من الكتان. فيما غطت النساء أجسادهن بأوشحة مسرفة وأرتدين مجوهرات أكثر إسرافاً. وتمسكت فتيات صغيرات صامتات يرتدين فساتين صيفية بأيدي أمهاتهن. وبعيداً وقفت أسرة مغربية تضم نساء محجبات.
ومن ثم أطلت ستيفاني غاوو، المولودة في كان والمسؤولة عن مكتبة المتميزين Les Insolites، بشعرٍ بني اللون يتدلى فوق فستان أسود أنيق. شجعت غاوو الحشد على الدخول إلى المكتبة ذات الحرارة المختمرة، والجلوس على كراس من الخوص، وعرضت عليهم قبول شرب الكوكا كولا في أكوابٍ بلاستيكية قدمها لهم ألفونس، الموظف الوحيد في المتجر المولود في أفريقيا.
قدم الدبلوماسي السابق، جان إيف بيرثولت، روايته المكتوبة على شكل رسائل ممتالية، بعنوان آلام الآنسة أس، فيما نوهت غاوو عن رسائل الحب الفرنسية المغرية التي تتضمنها الرواية. أغمض المستمعون أعينهم، وحدقوا بحنين في خزانات الكتب وراقبوا بعضهم البعض خفية. لوحت إمراة ترتدي قميصاً بأزرار من الحرير البرتقالي بمروحة خشبية لتبريد نفسها، متوقفة بين الفينة والأخرى لمزيد من التأثير. فيما إنسحبت إمرأة كانت تسعل، وإختفت الأسرة العربية.
“لا بد وأنك على وشك فقدان عقلك هنا،” قال رجل أميركي يرتدي بذلة مقلمة، في إشارة إلى حياتي في المغرب. وإدعى بأنّه لا يعرف ويسكونسن، مسقط رأسي، وحاول على الفور معرفة إذا ما كنت قد دعيت لحضور حفلة في وقت لاحق في القطاع الأميركي، ولم أكن قد فعلت.
وبينما قام أحد الرجال بتصوير غاوو وبصورة مفاجأة بإستعمال هاتفه المحمول من فوق كتف الكاتب، تجمع المغاربة في الخارج، واقفين بعيداً عن العمال الوافدين الذين إحتشدوا عند مدخل المتجر. كانوا يشعون شعوراً بعدم الراحة، والوعي الذاتي.
لكنهم هنا، وغاوو تريدهم. فهي تريد جعل مكتبتها المصبوغة بلون نبات الحوذان، والتي أنشأتها قبل ست سنوات، فضاء تفاعليا للفنانين، والكتاب، وأفراد المجتمع، الذين تقول إنهم غالباً ما يعتبرون الكتب حكراً للنخبة المثقفة في البلاد. تعرض غاوو كتباً ومجلدات باللغات العربية، والفرنسية، والإسبانية، والإنجليزية، وتستضيف كتاباً مغاربة وأجانب من أجل قراءات عامة وتقرأ الكتب في المدارس العامة والمعهد الثقافي الفرنسي في طنجة من أجل إثارة إهتمام الأطفال.
ومع ذلك، فإن مثل هذه الأمسية يمكن لها أن تحدث في باريس تماماً كما هو الحال في طنجة. فما هي درجة إنفتاح سكان طنجة، لاسيما الشباب منهم، على مساعي غاوو؟ وهل الإهتمام بالثقافة الأدبية المحلية قوي أصلاً، أم إن غاوو تعمل على إيجاد شيء جديد بالنسبة لسكان طنجة؟
هناك بعض الشباب المهتم على الأقل. قالت آية نادر، 12 عاماً، “إنها مكتبة مذهلة. إنها هادئة، وهنالك الكثير من الكتب. ورائحتها زكية. وهنالك الكثير من الأمور التي أحبها هنا. هنالك تاريخ المغرب باللغة الإسبانية، وتاريخ الأدب، وجميع الأشياء المتعلقة بشكسبير والأطباء.”
وبحسب غاوو، فإن الثقافة الأدبية بالكاد موجودة في أوساط السكان المحليين، على الرغم من شهرة طنجة على الصعيد الدولي بإعتبارها ملاذاً آمنا لمؤلّفين من أمثال بول بولز وغيرترود شتاين. تبدأ الفرص الضائعة في غرس الإهتمام بالتثقيف باكراً، بحسب غاوو. حيث لا يتم تعريض الأطفال في طنجة للأدب بسبب إنعدام الإهتمام بذلك وسط ثقافة تهتم أكثر بالمشاكل اليومية المتمثّلة بتدبير العيش الإقتصادي أكثر من الإهتمام بالثروة الأدبية وأسعار الكتب نفسها. على الرغم من تلقي دور النشر للدعم الحكومي، فإن كتب الأطفال لا تزال غير متاحة بالنسبة للكثير من الأسر، بحسب غاوو.
تعتقد غاوو بأنه وفي الثقافة الجماعية في المغرب، يحظى التماثل الفكري بتقديرٍ كبير، ولا يتم تشجيع القراءة والتعرض لأفكار مغايرة.
قالت “بالنسبة لكثير من الناس، الكتاب مصدر للخطر. فأنت لا تعرف ما الذي يخفيه في داخله.” فقد تكون الكتب مثيرة للجدل، تضيف غاوو، لأنها تضم آراء قوية.
فالأفكار المعارضة للثقافة العامة في أوساط الشباب يتم تثبيطها بشكلٍ خاص، بحسب غاوو. لكنها تعتقد بأنه ومن خلال توفير منفذ لأولئك الذين يكافحون في سبيل التعبير عن أنفسهم، فبإمكان الكتب أن تشكل ذلك التنوع الفكري الضروري لصنع قرار ذو تمثيلٍ مدني.
تحاول غاوو توفير فرص للتعرض لتحديات فكرية – مثل التعبير عن الذات، وتعزيز الآراء الشخصية – والتي تعتقد بأنها ضرورية لتنمية الأشخاص كأفراد ومواطنين.
قالت غاوو “لا يمكن أن تكون مواطناً إذا لم تكن قادراً على بناء أفكارك أو أن تمتلك الكلمات المناسبة للتعبير عن نفسك.”
السعي لصنع قرار قوي وسيلة لخلق الأمل، أضافت نادية السالمي، زميلة غاوو وأحد مؤسسي دار يوماد لنشر كتب الأطفال. فالأمل، كما تعتقد، ضروري لجيل يعاني من البطالة وما أسمته بالدبلومات “الفارغة” التي يحصلون عليها من نظام تعليمي غير مهتم بغرس الفضول.
فبحسب السالمي، التي تقيم في العاصمة الرباط، فإن المغرب يهمش الشباب ويوفر القليل من الأماكن الثقافية، كالسينمات والمكتبات، للأطفال. كيف يمكن للمجتمع المغربي مساعدة المواطنين في تثقيف أنفسهم وإهتماماتهم الأدبية، تتساءل السالمي، إذا كان يرفض توفير ما من شأنه تنمية الأطفال؟
ترى غاوو بأن التنمية الذاتية للأطفال مسألة حيوية وبشكل خاص للمجتمع نظرا لسهولة تشكيلهم. وتقول إن الأطفال يتحدونها لتقديم قصص تقع خارج نطاق الأفكار الإجتماعية السائدة. لقد نشب نزاع بين الأطفال مؤخراً بشأن إحدى الحكايات، بحسب غاوو، لأنها تجسد ألهة وهو ما يتعارض مع الإعتقاد الإسلامي بوجود إله واحد، وحول حكاية أخرى لأنها تصف رجلاً يشارك في الأعمال المنزلية، وبالتالي فإنها تتحدى الأدوار الوظيفية للجنسين في الثقافة المحلية.
ترحب غاوو بالنقد، وتعتقد بأنه ومن خلال القراءات في مكتبتها سيتمكن الأطفال من إختبار آراءهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
قالت “أحاول ألا أخبرهم بأنهم مخطئون وأنني على حق. فقط من أجل أن أجعلهم يفهمون بأن هناك وجهات نظر أخرى. وأن العالم الذي يعرفونه هو ليس العالم الوحيد.”
وأضافت غاوو بأن شعبية مكتبة Les Insolites تتنامى في أوساط الزبائن المغاربة، وترى بأن هذه الشعبية تعبيراً عن تحول ثقافي أكبر بإتجاه الأدب في طنجة. فالسكان، كما تقول، كانوا حذرين في البداية بخصوص مكتبتها. الآن، يأتي الآباء بشكل خاص ومتزايد من أجل شراء الكتب لأطفالهم.
في مجتمع المغتربين الفرنسيين والبريطانيين في طنجة، يبدو أن العديد منهم قد آمنوا بإسطورة الكاتب بولز عن طنجة وكونها مكاناً سيكون الأجانب فيه وحيدين. وعلى الرغم من أن مكتبتها تبدو وإلى حدٍ كبير جزءاً من هذا المجتمع – حيث وصف رجل فرنسي يدعى ميشيل، المتجر لي وبطريقة محببة بأنه واحة فرنسية ومكانا يتوفر فيه الأدب القادم من بلده – لكن غاوو، ومكتبتها الصغيرة، تسعى بقوة أكبر لتشجيع السكان المحليين على إعادة تعريف وتطوير أنفسهم وشعورهم بإتجاه المكان.
قالت غاوو “إنه طريق طويل. لم ينته الأمر بعد، لكن وحتى الآن، فبإمكاننا أن نشعر بالفخر بما نقوم به.”