- Home
- Media Center
University Journal
المطرب السوري صباح فخري ضمن أصحاب المواهب الاستثنائية في المجال الغنائي والموسيقي العربي، فنظراؤه يكادون يعدون على أصابع اليد الواحدة، وديع الصافي ونصري شمس الدين وفؤاد زبادي ومحمد عبد المطلب، فهؤلاء دون غيرهم، هم الذين يمتلكون حناجر قوية بإمكانيات صوتية وطربية، قادرة على مواصلة الغناء بشكل مُستمر لعدة ساعات، وقد فعلها صباح فخري في معظم الحفلات التي أحياها في البلاد العربية والأجنبية، بوصفة موهبة عابرة للقارات لا يحدها مكان ولا تعترضها حواجز، فالصوت القوي الذي ينبعث من حنجرة ذهبية، لديه القدرة على الوصول إلى أبعد مدى من المساحات والحدود الجغرافية.
لقد عرف الجمهور المصري صباح فخري، من خلال حفلات مهرجان الموسيقى العربية الذي يُقام سنوياً في دار الأوبرا المصرية، ذلك المكان العريق الذي تتبارى فيه الأصوات المتميزة فتُعيد مجد الموسيقى العربية وتذكر الجمهور بأنماط الغناء الشرقي الأصيل، الموشحات والأدوار والأغنيات الكلاسيكية لكبار المطربين، كسلامة حجازي وسيد درويش وعبد الوهاب وغيرهم من أعلام الإبداع الغنائي والموسيقي.
وبالطبع كانت المساحة محجوزة دائماً لصباح فخري على مسرح الأوبرا ليصدح صوته، فيهز القلوب ويدغدغ مشاعر المُستمعين القادمين من كل حدب وصوب للاستمتاع والانتشاء بجماليات الأداء الفريد لأحد فرسان الأغنية العظام، الذي بدأ حياته مؤذناً في جامع الروضة في حلب، حيث كان موظفاً في وزارة الأوقاف لم تُكتشف بعد موهبته الغنائية، لكنه كان أول المُكتشفين لموهبته الفطرية فعمد إلى الالتحاق بمعهد الموسيقى العربية في مدينة حلب لفترة قصيرة، انتقل بعدها إلى الدراسة الأعمق في معهد مماثل في مدينة دمشق. وقد مكنت الدراسة الأكاديمية صباح فخري من الإحاطة بالعلوم الموسيقية كالصولفيج والفوكاليز والإيقاع والموشحات والنوتة الموسيقية وتاريخ الفن الغنائي العربي، بخلاف ما أمكنه تحصيله من بقية العلوم المُتصلة بالموسيقى العالمية الغربية، كنوع من الاطلاع والتثقيف، وبعد أن تخرج الفتى الموهوب في معهد الموسيقى، دأب على ممارسة الغناء على يد كبار الأساتذة والممارسين، الذي كان من بينهم فخري البارودي، العلامة الكبير الذي منح اسمه ولقبه لتلميذه النجيب، صباح الدين أبو قواس ابن مدينة حلب المولود في عام 1933، صار لقبه صباح فخري وهو الاسم الذي فتح له آفاق الشهرة والمجد، وظل مُتمسكاً به طوال حياته عرفاناً بفضل أستاذه عليه،وتخليداً لاسمه وذكراه وفنه وإبداعه.
ولما كانت موهبة صباح فخري الغنائية مُثقله بالدراسة وتمتلك خصائص الأداء الصعب، لم يستعص على صاحبها أن يغني لرموز الشعر العربي والفطاحل من شعراء الفصحى، أبو الطيب المُتنبي وأبو فراس الحمداني وابن الفارض وابن زيدون في محاولة من المطرب الكبير لاختبار قدراته، أو بالأحرى التأكيد على تميزه وتمكنه من غناء أصعب الكلمات والألحان، وهي ميزه استطاع أن ينافس فيها كبار المطربين والمطربات كمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وزكريا أحمد وفيروز وغيرهم من قمم الغناء والطرب.
ولم يكتف المطرب السوري بما غناه من القصائد القديمة، لكنه استعان بالمواهب العصرية البارزة في المجال ذاته حينئذ، فؤاد اليازجي وانطوان شعراوي وجلال الدهان وعبد الباسط الصوفي وعبد الكريم الحيدري، ومن خلال هؤلاء المُبدعين تميزت أغانية وألحانه وأصبح فخري من العلامات الثابتة والمُستقرة في ماراثون المسابقات والمهرجانات العربية والدولية، والضيف المُحتفى به على الدوام في المحافل الكبرى، إذ غنى في قاعة المؤتمرات في باريس، ونال العديد من الجوائز والأوسمة، فقد قلده الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وسام تونس الثقافي، ومن سوريا حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ونال جائزة الميدالية الذهبية من مهرجان الأغنية العربية في دمشق، وكرّمه السُلطان قابوس، وكرّمته وزارة السياحة المصرية، وأولته غالبية المهرجانات الموسيقية والغنائية المُتخصصة اهتماماً خاصاً، كأحد كبار المطربين وتأسست باسمة جمعية مصرية تضم أصدقاءه ومُحبيه.
اشتهر المطرب الراحل صباح فخري بقدرته الفائقة على غناء الوصلات الطويلة التي تستمر لعدة ساعات، وربما يكون قد حقق أرقاماً قياسية في مُعدلات الوقوف لفترات طويلة على المسرح، بغير إرهاق أو تعب أو ضعف في الصوت ومستوى الأداء، فغالباً ما كان يُلبي رغبات الجمهور في إعادة بعض الكوبليهات من أغانية الشهيرة مثل يا مال الشام وقل للمليحة في الخمار الأسود وقدك المياس وغيرها. وفي ما يخص الدور الريادي القيادي شغل صباح منصب نقيب الفنانين السوريين، أكثر من مرة وعُين نائباً لرئيس اتحاد الفنانين العرب وعضو اللجنة العليا لمهرجان الأغنية السورية، ومديراً للمهرجان ذاته في الدورة الأولى والدورة الثامنة.
وعلى مستوى الإسهام السينمائي لم يزد عدد الأفلام التي شارك في بطولتها على ثلاثة أو أربعة أفلام على الأكثر، كان أشهرها «الصعاليك ـ المدينة الهادئة ـ الوادي الكبير» بالإضافة إلى بعض الأعمال القليلة في التلفزيون والإذاعة، «نغم الأمس» و«زرياب» و«أسماء الله الحسنى» فقد كان مُقتصداً إلى حد كبير في عطائه السينمائي والدرامي لانشغاله الدائم بالأغاني والألحان، وارتباطه الوثيق بالموسيقى والطرب كمصدرين أساسيين لإلهامه وتألقه وذيوع صيته بين المشرق والمغرب.