- Home
- Media Center
University Journal

إن مشاهير الملحدين، أمثال ريتشارد دوكينز، يميلون إلى ادعاء الأخلاقية العالية، حينما يتعلق الأمر بالعنف. دوكينز يصر، ومعه سام هاريس، والراحل كرستوفر هيتشنز، على أن الدين في جوهره عنيف، ولذلك فإن الإلحاد بطبعه يكون أكثر سلمية. فبعد كل شيء، إذا كان يمكن لوم الدين على كل شرور العالم، فإنه يمكن القول: إن محو الدين والقضاء عليه لن يكون فقط مرغوبًا فيه، لكنه فريضة أخلاقية عند الملحدين الذين يؤمنون بالسلام.
هكذا استهل، نيك ميجوران، وهو محاضر في الجغرافيا السياسية بجامعة نيوكاسل البريطانية، مقاله في موقع «ذا كونفرزيشن»، والذي شاركه في إعداده راسل فوستر، وهو زميل مؤسسة «ليفيرهيولم» في السياسة البريطانية والأوروبية بجامعة «كينج كولدج لندن».
تقول نتائج الدراسة التي أجراها الكاتبان: «إنه فيما يخص الحرب على الإرهاب، فإن هؤلاء الملحدين يكونون على استعداد للتحيز لسياسات على القدر ذاته – في بعض الحالات ربما أكثر – من العنف الذي يرتكبه معظم هؤلاء الآخرين الذين يتحدثون باسم الدين».
إن هذه الدراسة التي أجريت على يد مسيحي ومتشكك وملحد تضمنت تحليلًا لكتابات دوكينز، وهاريس، وهيتشنز، أو كما يعرفون بـ«الملحدين الجدد». سعى القائمون على الدراسة إلى التأسيس لمواقف الثلاثة من السياسة الخارجية في أمريكا والمملكة المتحدة منذ هجمات سبتمبر (أيلول) 2001. وركزت الدراسة على نقد الكتب الأكثر مبيعًا للثلاث شخصيات، بالإضافة إلى مقالات الرأي التي نشروها، ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي والفيديوهات؛ وذلك للتأكيد على مواقفهم – ليس في العلم أو الأخلاق – لكن في السياسة، وخصوصًا السياسة الخارجية.
إن ثلاثتهم يتفقون على أن الدين في جوهره يحث على العنف، أما الإلحاد فهو أكثر سلمية. حتى أن دوكينز على وجه الخصوص يتساءل: «من يمكنه أن يتبنى القتل باسم رب غير موجود؟».
الإلحاد.. قديمًا وحديثًا
إن مفردة الإلحاد بالإنجليزية «atheism» جاءت من الأصل اليوناني «a-theos» أي «بدون آلهة»، على الرغم من أن المفردة صيغت منذ العصور القديمة، إلا أنها لم يبدأ استخدامها سوى من قبل الملحدين الأوائل الذي اعترفوا بإلحادهم في عصر التنوير.
إن الإلحاد الأوروبي الحديث وعد بالتحرر من الخرافات، لكن سرعان ما تحول إلى العنف الشديد. في ذروة الثورة الفرنسية، طبقت حكومة اليعاقبة «حكم الإرهاب» في أبشع صوره لفرض إلحادية الدولة. فيما قادت «عصابة الملحدين المسلحين» حملة الاتحاد السوفيتي المبكرة ضد الدين، وانطوت هذه الحملة على اضطهاد عنيف ضد الدينيين والمؤسسات الدينية.
يقول الكاتب: «بموت الاتحاد السوفيتي والعودة العالمية للدين السياسي منذ سبعينات القرن الماضي وما تلاها، فإن بعض الكتاب اعتقدوا أن الإلحاد في تراجع، لكن شهد مطلع القرن الواحد والعشرين صعود كتَّاب مثل دوكينز وهاريس وهيتشنز. إنهم بزغوا في وقت كان المثقفون يقودون هجمات شرسة على الدين باعتباره غير صحيح، وخطير للغاية».
إن جدالهم ليس جديدًا، بحسب الكاتب، لكن على عكس فلاسفة أكاديميين ملحدين ثقال، فإن هؤلاء بدوا مثقفين متحمسين، ولاذعين، وشخصيات ذات ظهور إعلامي مميز. إن نجاحهم في كتابة الكتب الأكثر مبيعًا، وإلقاء الأحاديث الجماهيرية وتكوين متابعين عالميًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كل ذلك خلق منهم مشاهير. دوكينز على سبيل المثال قُدِّم في أكثر من مسلسل رسوم متحركة أمريكي، منها «ساوث بارك»، و«فاميلي جاي»، و«ذا سيمبسونز»، حتى أنه ظهر بنفسه في البرنامج التلفزيوني «دوكتور هو».
الإلحاد الجديد و«الحرب على الإرهاب»
يقول الكاتب: إن الملحدين الثلاثة كانوا متعاطفين مع الهجوم على أفغانستان عام 2001. كما أن هيتشنز دعم بشدة احتلال العراق عام 2003، في حين رأى هاريس أن الارتباط الغربي بالإسلام والعالم الإسلامي هو جزء من حرب يجب على الغرب أن يفوزها، وإلا واجه «عبودية». يستعرض الكاتب جزءً مقتبسًا من كتاب هاريس الذي صدر عام 2004 بعنوان «نهاية الإيمان» يقول فيه:
«بينما سيكون من المريح الاعتقاد بأن حوارنا مع العالم الإسلامي سينتج عنه – وهو أحد النتائج المحتملة – مستقبلًا من التسامح المتبادل، فإن لا شيء يضمن هذه النتيجة، على الأقل كل تعاليم الإسلام. بالنظر إلى قيود العقيدة الإسلامية، وإلى محاذير الإسلام في طريق التحول الجذري (والمعقول) للحداثة؛ فأعتقد أنه من الواضح أن الإسلام يجب أن يجد طريقة للمراجعة، بسلام أو بأية طريقة آخرى. أما معنى كل ذلك فإنه غير واضح بالكامل. لكن رغم ذلك فإن الواضح هو أن الغرب يجب أن يكسب الجدال، أو أن يكسب الحرب. فيما عدا ذلك ستكون عبودية».
يعود الكاتب يقتبس من الكتاب ذاته إشارة محددة للحرب الأفغانية، فيقول هاريس:
«في الحقيقة هناك بعض الناس الذين لا جدال معهم. فإن لم يكن من الممكن القبض عليهم، وهم في الغالب كذلك، فإن الأشخاص المتسامحين ربما يبررون قتلهم دفاعًا عن النفس. هذا هو ما تفعله الولايات المتحدة في أفغانستان، ونحن والأنظمة الغربية الأخرى ملزمين بفعله أيضًا، حتى مقابل تضحية أكبر من أنفسنا ومن الأبرياء في الخارج، في أنحاء أخرى من العالم الإسلامي. إننا سنستمر في إهدار الدماء في حرب هي بالأساس حرب أفكار».
يقول الكاتب إنه يرى أن الثلاثة دعموا هذه الحرب؛ لأنهم قرأوا السياسة العالمية من خلال عدسة إلحادهم. يبدو أنهم يرون الغرب، وكأنه محصور في حرب وجودية مع الدين، خصوصًا الإسلام. ويشير الكاتب إلى أربعة جوانب لافتة للنظر في رؤية الملحدين للجيو-سياسة العالمية:
أولًا: إنهم يرون الدين على أنه عنف بالأساس. فيقول هاريس: «الدين هو أكبر مصدر خصب للعنف في تاريخنا». ويقول دوكينز: إن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) «جاءت من الدين»، وهو الذي زعم أن الدين «سلاح مميت»، وأنه «المصدر الأساسي للانقسام في الشرق الأوسط». إن هذا التحليل يغفل الدور الضبابي للقوى الأجنبية، والحكام الفاسدين في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قدرة القادة الكاريزميين لاستمالة الدين ودمجه مع المظالم المشروعة.
على رغم الانتقادات الكثيرة للسجل التاريخي للمسيحية في هذا الشأن؛ إلا أن الثلاثة يشيرون إلى الإسلام باعتباره التهديد الوجودي للحداثة والمجتمعات العلمانية. في حين أصر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على أن «الإسلام هو دين السلام»، فإن الملحدين الجدد لم يوافقوا هذا الرأي. يصف دوكينز الإسلام بأنه «واحد من أعظم الشرور في العالم». فيما يقول هاريس: «إننا في حرب مع الإسلام»، ليس حتى مع «ديانة سلمية (اختطفها) المتشددون».
يقول الكاتب: إن الملحدين الجدد مقتنعون أن نسختهم من الحضارة الغربية تتفوق على ثقافات الشرق الأوسط التي تقوم على أسس دينية، بحسب ما يفهمون. ويشير إلى تغريدة نشرها دوكينز في 2011 يقول فيها: «كل مسلمي العالم لديهم عدد جوائز نوبل أقل من تلك التي حصلت عليها كلية ترينيتي بجامعة كامبريدج». كما أشار إلى ما كتبه هيتشنز عن هجمات 11 سبتمبر، وكيف أنها جعلته «مبتهجًا»؛ لأنها أدخلت العالم فيما أطلق عليه «مواجهة لا لبس فيها بين كل شيء أحببته في مقابل كل شيء كرهته».
وأخيرًا – يقول الكاتب – إنهم يعرضون نسختهم من «عبء الرجل الأبيض» لإنقاذ أفغانستان والعراق وأماكن أخرى من تخلفها الديني. كتب هاريس بأسلوب وصفه الكاتب استعماريًا كلاسيكيًا يقول: «على الرغم من نوايانا المشوشة أو المضلَّلة» في احتلال العراق «فإننا نحاول في مقابل تضحية كبيرة بأنفسنا تحسين حياة الشعب العراقي».
تخيل اللادين
يذهب هاريس بجداله إلى حد يرجح فيه أن التنميط العنصري للمسلمين وتعذيب الإرهابيين لأغراض قضائية قد تكون أمورًا أخلاقية فيما أسماه «حربنا على الإرهاب». والأكثر تطرفًا أنه أكد أن «المسلمين يمثلون مشكلة خاصة للردع النووي»؛ لأنهم بحسب عقيدتهم لا يخافون الموت. إنه – هاريس – يبرهن على ذلك بأنهم محصنون ضد المنطق المعتاد بالدمار المتبادل المؤكد. وبالتالي فإن أي حكومة إسلامية إذا امتلكت أسلحة نووية فإن «أول ضربة نووية تطلقها أمريكا» قد تكون «الفعل الوحيد المتاح لديها». يعلق الكاتب بأن المفارقة في هذا الجدال، الذي بدأ بإعلان الدين عنيفًا بشكل فريد، قد أغفلها هاريس، الذي عبر عن موقفه من التعذيب قائلًا:
«ما أراه فيما يخص الاستخدام المحدود للاستجواب القسري (التعذيب بمعنى آخر) قائم بالأساس على هذا: إذا كنت تظن أن إلقاء قنابل في محاولة لقتل رجل مثل أسامة بن لادن هو أمر مبرر (وحينها هناك مخاطرة بقتل وتشويه رجال ونساء وأطفال أبرياء) فإنه يجب أيضًا أن تفكر أنه في بعض الأحيان يكون من المبرر إيهام رجل مثل أسامة بن لادن بالغرق (مع مخاطرة الإساءة إلى أحدهم الذي يصادف أن يشبه أسامة بن لادن)».
يقول الكاتب: «إن دراستهم تبرهن تناقض الملحدين الجدد، ففي حين أنهم يدعون أن أيدولوجيتهم تنويرية وأكثر سلمية من الدين؛ فإنهم غالبًا ما ينتهي بهم الأمر يدعون إلى العنف؛ وذلك لأنهم يرسمون صورة مبسطة جدًا للعالم على أنه منقسم بين حضارتين: علمانية، ودينية، لا يمكنهما التعايش معًا. وفي هذا الصدد، فإنهم – للمفارقة – يمكن القول إنهم يعكسون الزعماء الدينيين المتشددين الذين يستنكرونهم بشدة».
ويختتم الباحثان مقالهما قائلين: «إنه بعد 15 عامًا من احتلال العراق والفوضى التي خلفها، فإنه من الواضح أن هناك حاجةً لفهم الاختلافات الدقيقة لمجتمعات وسياسات الشرق الأوسط. إن هذه الفروقات الدقيقة من غير المحتمل أن توجد في تحليل الملحدين الأصوليين كما هي موجودة في تحليل خصومهم الدينيين».