- الرئيسية
- المركز الاعلامي
صحيفة الجامعة
العنوسة.. ظاهرة تُنميها الحرب والتقاليد في اليمن - صحيفة الجامعة
أكثر من 27.5 مليوناً، هم عدد سكان اليمن وفق إحصائيات البنك الدولي لعام 2016، منهم ما يعادل 49.5% من الإناث، يواجه الكثير منهن تحديات جمّة فرضتها الحرب في البلاد ومثّلت سبباً آخر من أسباب توسع ظاهرة العنوسة، إلى جانب العادات والتقاليد المرتبطة بالزواج.
وفي بلد قُتل فيه أكثر من 10 آلاف شخص خلال ثلاث سنوات من المواجهات بين قوات الشرعية والانقلاب، ويعاني قرابة 20 مليون مواطنٍ الجوع بحسب برنامج الغذاء العالمي، فإن نسبة المهور ما تزال في ارتفاع، ويضيف الغلاء تحدياً آخر أمام الشباب الراغبين في الزواج، حيث ارتفعت تكاليف البيوت وتأثيثها ومختلف التفاصيل المتعلقة بالزواج.
وفي ظل التفاوت الكبير من منطقة إلى أخرى بمقدار المهر، فهو يحتكم إلى الأعراف والتقاليد، يقدر المتوسط بمليون ريال يمني (ما يعادل 2500$) وفق سعر الصرف اليوم (400 ريال)، ولكن في معظم الحالات تضاف إليه تكاليف باهظة لتأثيث المنزل ومراسم حفل الزواج وتفوق في بعض المناطق مبلغ المهر.
الباحثة الاجتماعية والناشطة رؤى النهمي، أشارت إلى عدة أسباب باتت تهدد كيان الأسرة اليمنية وتجعل من حلم تكوينها أمراً ثانوياً في سُلم اهتمامات الشباب بالنظر إلى الواقع الذي يعيشونه منذ سنوات.
وتقول النهمي في حديث لـ”الخليج أونلاين”، إن الظروف التي يعيشها اليمن منذ انقلاب الحوثيين وقوات المخلوع صالح على السلطة الشرعية في البلاد، ألقت بظلالها على مختلف نواحي الحياة ومنها الزواج، وأصبحت الأولوية للقتال بغض النظر عن الطرف الذي يقاتل الشباب في صفوفه، “حيث يرى الشباب أنهم يفكرون بمنطقية في ظل عدم توافر المال الكافي للزواج فيعزفون عنه إلى حين يتوافر، وإلى أن يأتي الوقت يكون العمر قد فات والتكاليف في ارتفاع مستمر”.
وبحسب النهمي، فإن الكثير من الأسر اليمنية لم تتخلَّ عن طموحاتها في متطلبات الزواج، ابتداء من المهر ووصولاً إلى اشتراطات المنزل والتأثيث وعمل الزوج، وإن كانت هناك حالات ضئيلة جداً تجاوزت الموروث الذي تطغى عليه “ملامح البذخ”.
وبعد “فوات الأوان”، تضطر الكثير من الأسر إلى “التخلص” من ابنتهم بتزويجها وفق شروط الزوج، وغالباً ما يتنازلون عن الكثير من الشروط التي طرحوها عندما كانت ابنتهم في عمر مبكر؛ كالمهر المرتفع، والسكن الفاخر، والعمل، والراتب، وتفاصيل أخرى.
وترى النهمي أن أكثر ما يهدد أحلام الزواج ويزيد من نسب العنوسة في أوساط الجنسين، “الحروب المتتالية التي تمزّق، يوماً بعد آخر، النسيج الاجتماعي وتضيّق دائرة الزواج من خارج الأسرة والعائلة”، وقد يرفض “المواطن في جنوبي اليمن” زواج ابنته بـ”شمالي”، والأمر ينطبق على اختلاف الطبقات الاجتماعية وغيرها.
وما تزال العنوسة في اليمن عند مستويات يمكن السيطرة عليها وهي أقل بالنسبة إلى دول أخرى، وتستدرك النهمي: “لكن من غير العدل أن يكون ذلك في مجتمع ذكوري غالبيته من الشباب ويؤمن بتعدد الزوجات ويسعى دائماً لتكوين الأسرة والروابط الاجتماعية وقرابة 75% من سكانه في سن الزواج والإنجاب ومعدل الخصوبة من أعلى المعدلات في العالم، ومع ظهور أسباب جديدة قد تساهم في ارتفاع نسب العنوسة يبدو التركيز على الأسباب الظاهرية التي كان الباحثون يسلطون الضوء عليها غير دقيق، وتبرز الأسباب الخفية التي تنتشر كالنار في الهشيم لكنها بصمت وقد لا يتمكن الجميع من السيطرة عليها إن توسعت”.
واحتل اليمن المرتبة التاسعة في نسبة العنوسة ضمن عشر دول عربية بنسبة 30%، في دراسة أعدتها إذاعة هولندا العالمية، وهي تكافح كثيراً من أجل القضاء على الزواج المبكر، لكن لم يلتفت أحد بعد بما يكفي لظاهرة العنوسة التي تحكمها العادات والتقاليد أكثر من غيرها.
الباحثة شروق بامقبل، كانت كشفت في دراسة سابقة عن وجود أكثر من نصف مليون يمنية غير متزوجة بعد سن الثلاثين، بينما تشير إحصائيات حديثة إلى 2.5 مليون فتاة بدون زواج بعضهن تجاوزن سن الثلاثين، وسط دعوات لمنظمات وجمعيات ومهتمين إلى إنشاء صندوق للزواج الجماعي وتفعيل التعاون في مجال إقامة الأعراس الجماعية والخيرية للشباب التي كانت تشكل مساهمة كبيرة في الحد من العنوسة.
أسباب بعيدة عن الحرب
الصحافية ياسمين المستنيري، سلطت الضوء على ما تراها أسباباً أخرى للعنوسة غير ما تخلفه الحرب معتمدة على تقييم العلاقة بين الرجل والمرأة ما يزيد من نسب العنوسة في اليمن.
وتشير المستنيري إلى أن المرأة اليمنية “لسوء حظها” من أكثر نساء العالم فقداناً للزوج والأوفر حظاً في الحصول على لقب “أرمل”، فإلى جانب الحروب الممتدة لسنوات في اليمن والتي ما تلبث أن تعود بعد توقفها لفترة محددة، فهناك الثأر والأمراض والأوبئة وكلها تثقل كاهل الرجل وتودي بحياته وإن ظل حياً فتشغل تفكيره ولا يكون الزواج أولوية له الأمر الذي ينعكس على واقع العنوسة في أوساط الذكور والإناث.
وتطالب المستنيري في حديثها لـ”الخليج أونلاين”، قريناتها النساء بلعب دور إيجابي في الحد من أسباب العنوسة وتكريس قدراتهن التعليمية والثقافية والحقوقية من أجل الحد من هذه الظاهرة التي ستلقي بظلالها على المجتمع بشكل عام ولها انعكاساتها السلبية على مفهوم الأسرة.
وحيث تقول المستنيري إن العنوسة “لم تعد شبحاً يهدد الفتيات بل أصبح واقعاً مريراً تعيشه الفتاة اليمنية، فإنها ترى أن الآباء يبالغون كثيراً في طلباتهم بخصوص زواج بناتهم رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وتوقف مصادر الدخل وتزايد البطالة وبالتالي فإن الرضوخ للعادات والتقاليد المكلفة والتي تثقل كاهل الشباب المقدمين على الزواج يساهم بشكل كبير في تزايد نسبة العنوسة وسط الفتيات باليمن”.
ومابين الفقر والطموح، يظل الشباب اليمني يواجه مخاطر العنوسة بانتظار تدخل مجتمعي ينتصر لقيم وتعاليم الدين الحنيف التي تدعو إلى عدم المغالاة، وصحوة فكرية وثقافية تدرك مخاطر تأخر سن الزواج على الشباب وانعكاساتها السلبية على المجتمع بشكل عام.