- الرئيسية
- المركز الاعلامي
صحيفة الجامعة
"التوحد" وحش الأطفال الصامت.. آثاره وأسبابه وكيفية الوقاية منه - صحيفة الجامعة
التوحد إعاقة متعلقة بالنمو وعادة ما تظهر خلال السـنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، إذ تنتج عن اضطراب في الجهاز العصبي الأمر الذي يؤثر على وظائف مخ الطفل
يعتبر مرض التوحد من الأمراض المتعارف عليها حديثًا في العالم، ففي الماضي لم يشتهر هذا المرض ولم يسمع عنه أحد، بخلاف هذه الأيام التي تتضاعف فيها نسبة مرضى التوحد حول العالم بشكل مطرد سنويًا، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة المصابين بالتوحد في العالم أكثر من نسبة مصابي مرض السرطان نفسه.
كيف نشأ التوحد؟
في عام 1943 كتب الطبيب النفسي ليوكانر LeoKanner مقالة وصف فيها 11 مريضًا – من خلال متابعته لهم خلال سنوات في عيادته - حيث وصف أعراض المرضى بشواهد مرضية تختلف عن الأعراض النفسية التي تعود على متابعتها طوال سنوات عمله في الطب النفسي، وقد ابتكر حينها مصطلح (التوحد Autism ) للتعبير عن هذه الأعراض.
حيث وصف التوحد بأنه إعاقة متعلقة بالنمو وعادة ما تظهر خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمر الطفل، إذ تنتج عن اضطراب في الجهاز العصبي الأمر الذي يؤثر على وظائف مخ الطفل، ولا يرتبط هذا الاضطراب بأي عوامل عرقية أو اجتماعية، فالتوحد اضطراب معقد في النمو نتيجة خلل وظيفي في المخ والأعصاب لم يصل العلم إلى تحديد أسبابه بعد.
هل للتوحد أعراض معينة يمكن معرفته من خلالها؟
تقسم أعراض التوحد إلى قسمين كما تشير الدراسات العلمية الحديثة:
-توجد "أعراض جسدية" كالتشوهات الخلقية البسيطة التي تظهر على الطفل كتشوه شكل أذنيه الخارجية أو شذوذ في جلده وبصمات أصابعه بشكل خاص.
- كما توجد "أعراض سلوكية واجتماعية"، إذ لا يتمتع الطفل المصاب بالتوحد بالود والملاطفة الاجتماعية كباقي الأطفال ويظهر ذلك في عدم تفاعله مع من حوله حتى مع عائلته أيضًا، وعندما يبلغ الطفل عامين أو ثلاثة أعوام يفضل العزلة واللعب وحيدًا، فلا يحب أن يشاركه أحد نشاطاته التي يقوم بها، كما يصعب على الطفل تمييز والديه عن باقي الناس إضافة إلى معاناته في كسب ود الأطفال الآخرين ومشاركتهم اللعب.
ويلاحظ أيضًا تأخره في اكتساب اللغة للتواصل مع الآخرين، إذ يشار إلى أن صعوبة اللغة لا ترجع إلى امتناع الأطفال عن التكلم وإنما إلى التأخر في تطورهم، إضافة إلى ذلك انشغال الطفل لساعات متتالية باهتمامات لا يمل تكرارها، إذ يسلك من خلالها طريقًا روتينيًا لا يحيد عنه، كما أنه يكرر كلمتين أو كلمة قد يسمعها من شخص بصوت عالٍ دون نسيانها أو التوقف عن ترديدها، وينظم ألعابه بشكل مستقيم ويصرخ ويبكي ويضحك من دون سبب، وأيضًا من النادر أن يلتفت لمن يكلمه لذلك يظن الكثير من الناس أنه مصاب بالصم ولكنه في الحقيقة مصاب بالتوحد.
أشهر الأسباب التي تؤدي للإصابة بالتوحد
ما زال السبب الرئيسي وراء مرض التوحد غير محدد إلى الآن، مما يثير حيرة الأطباء بشكل كبير عن هذا المرض، إذ لا يوجد علاج محدد لهذا الاضطراب الذي يصيب الأطفال، ولعل الأطباء خلال سعيهم لإيجاد علاج فعال للتوحد، حددوا عدد من أهم الأسباب التي تؤدي للإصابه به:
1-الأسباب الجينية الوراثية: فرغم أنه لا يمكن تحديد الجين المسؤول عن نقل هذا الاضطراب من جيل لآخر حتى الآن، ظهرت دراسات تثبت أن هذا المرض يمكن أن ينتقل عن طريق الوراثة.
2-التأثيرات البيولوجية: أي النفسية على المواليد والرضع وهذا يشمل الأدوية التي تتناولها الأمهات في أثناء الحمل والرضاعة والظروف النفسية التي صاحبها الحمل والرضاعة أيضًا.
3-الاختلالات البيولوجية المرتبطة بالجهاز العصبي: إذ إن 25% من مصابي التوحد كانوا يعانون من نوبات صرع، ومنهم من عانى في أثناء عملية ولادته من نقص في كمية الأكسجين الواصل إلى المخ.
4-ظهر مؤخرًا أطباء ممن يعالجون التوحد لدى الأطفال يحذّرون من ترك الأطفال الذين لم يبلغوا سن الثالثة أمام القنوات التي تشتت انتباه الأطفال كقنوات أغاني الأطفال كطيور الجنة وكراميش وغيرها، مشيرين إلى أن ما يحدث للطفل خلال انتباهه لتلك القنوات هو الاستمتاع بالإيقاع ولا يفهم الكلمات، فيحاول التركيز على التصوير الذي يتكون من صور مختلفة تعرض بشكل خاطف وسريع، فلا يمكن للطفل تخزينها أو اللحاق بها حتى تجد الطفل قد التصق بشاشة التلفاز محاولاً تتبع رقصات الأطفال وحركاتهم، وبعد أشهر من هذه الحالة يلاحظ التركيز الشديد على الطفل وعدم النطق وقد يرافق هذه الأعراض تشتت في الانتباه وإطلاق صراخات وفرط في الحركة وعدم الاندماج مع محيطه البشري.
أعلنت الصين في آخر إحصائية لها في دراسة في هونغ كونغ نشرت عام 2008 أن نسبة انتشار التوحد 1.68 لكل 1000 من الأطفال تحت عمر 15 سنة
مرضى التوحد في زيادة مستمرة حول العالم
تحتل أمريكا المركز الأول في أعلى نسبة لمصابي التوحد حول العالم، حيث كشف الإحصائيات أن هناك طفلاً من بين 88 طفلاً مصابًا بالتوحد، وتزيد هذه النسبة عشرة أضعاف كل 40 عامًا، وأظهرت دراسة للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية من التوحد، أن التوحد أكثر شيوعًا عند الأولاد مقارنة بالبنات حيث يصاب ولد واحد بالتوحد من بين كل 42 صبيًا، في حين تصاب فتاة واحدة من بين كل 189 فتاة، كما يصل عدد المصابين بالتوحد في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أكثر من 3 ملايين شخص.
أما عن نسبة التوحد في البلاد العربية فتشير التقارير إلى أن معدلات انتشار التوحد في العالم العربي تتراوح بين 1 لـ 4 حالات بين كل 10 آلاف طفل في عمان، و29 حالة بين كل 10 آلاف طفل في الإمارات العربية المتحدة، وطفل واحد من بين 88 طفلاً في مصر، حيث بلغ عدد مرضى التوحد في مصر ما يقارب الـ90 ألفًا.
أما عن باقي بلدان العالم فلا توجد بعد نسب دقيقة لعدد إصابات التوحد في السنوات الأخيرة، فالصين أعلنت آخر إحصائية لها في دراسة في هونغ كونغ نشرت عام 2008 وكانت نسبة انتشار التوحد 1.68 لكل 1000 من الأطفال تحت عمر 15 سنة.
وفي الدانمارك ذكرت دراسة نشرت عام 2003 أن هناك ارتفاعًا في نسبة انتشار التوحد من عام 1990 وواصلت النمو رغم سحب مادة الثيوميرسال من المطاعم المشتبه بها كمسبب لمرض التوحد منذ عام 1992، وفي عام 1990 كانت النسبة 0.5 حالة لكل 10.000طفل، بينما في عام 2000 كانت النتيجة 4.5 حالة لكل 10.000 طفل.
على الأباء والأمهات بعد تشخيص المرض اللجوء إلى التأهيل الشامل فورًا وعدم اللجوء لغير المتخصصين والبعد عن الأدوية التمثيلية وغيرها
التواصل اللغوي والاجتماعي مع الطفل بشكل مستمر.. وقاية من مرض التوحد
يقول الدكتور حاتم طعيمة - استشاري أمراض المخ والأعصاب - لنون بوست، عند سؤاله عن التوحد وأسبابه، إن التوحد مرض يصيب الجهاز العصبي يؤدي إلى تأخر عام في التواصل اللغوي والاجتماعي والمعرفي ومن السهل ملاحظة طفل التوحد خلال العامين الأولين للطفل. لذلك متابعة نمو الطفل جزء مهم من المتابعة الصحية التي تؤدي إلى اكتشاف المشكلة في سن مبكر.
ويضيف الدكتور حاتم، أنه لا توجد وقاية من التوحد، إذ إنه مرض وراثي جيني يولد مع الطفل ويظهر في السنة الثانية من العمر ولا يوجد علاج طبي أو دوائي له، ولكن يوجد التأهيل الشامل في المراكز المتخصصة، غير أن الأدوية دورها مساعد فقط لتقليل أعراض المرض، وبصورة عامة ينصح بالتواصل اللغوي والاجتماعي مع الطفل بشكل مستمر حتى لا يصاب بأعراض مشابهة للتوحد.
ويوضح الدكتور حاتم في معرض كلامه معنا، أن كل حالة من حالات التوحد تختلف عن الأخرى، فكل حالة تحمل بصمة وشكل مميز، ويذكر أنه كان يعالج طفلاً يعاني من التوحد، موضحًا أن الطفل كان يمتلك قدرات فائقة في رسم ونسخ أي شكل في دقائق معدودة وبمنتهى الدقة.
الأجهزة الإلكترونية خطر محدق
وفي نهاية حديثه يقول: "لا أنصح أبدًا باستخدام الأطفال للأجهزة الإلكترونية حتى يُتموا عامهم السادس ويتقنوا الكلام بشكل جيد، كما لا أنصح بمشاهدة الأطفال لقنوات الأغاني والألعاب المنتشرة، فهي تؤدي للعديد من حالات التوحد التي تصيب الأطفال في العالم العربي، حيث تعتمد على الحركة والصوت السريعين وتجعل الطفل يتحرك ويتكلم بلا فهم، كما أنصح الأباء والأمهات بعد تشخيص المرض باللجوء إلى التأهيل الشامل فورًا وعدم اللجوء لغير المتخصصين والبعد عن الأدوية التمثيلية وغيرها".
التوحد ومعاناة الآباء في الغربة
نسيبة هلال، سورية، صاحبة مركز "أنا بخير" للتوحد في مدينة إسطنبول التركية، تقول لنون بوست: "عملت مديرة روضة بدمشق لمدة 16 عامًا، ورزقت بـ5 أولاد و3 بنات، من بينهم (سعد) الطفل الخامس، كان طفلاً محبوبًا وتواصله رائع معنا إلى أن سافرنا من دمشق إلى إسطنبول إثر الأحداث التي وقعت في سوريا، كان عمر سعد وقتها سنتين و4 أشهر، بدأ يتغير قليلاً و لكننا لم نأخذ تلك التغيرات على محمل الخطورة، وإنما توقعنا أن سفرنا والأحداث التي وقعت ربما تكون السبب".
تقول نسيبة إنه "عندما صار عمر سعد 3 سنوات توقف عن الكلام نهائيًا وبشكل مفاجئ، لم يعد يرد حين نناديه كان ذلك مؤشرًا مرعبًا لنا، عملنا جميعًا على مساعدته ليعود للكلام والتواصل مجددًا، بدأنا في محاولة دمجه مع مجموعة من الأطفال السوريين من عمره، لكن الأمر لم ينجح".
وتنهي حديثها بالقول: "ازداد الوضع سوءًا حين صار ينفر من الاقتراب من بقية الأطفال ويخاف من الزحام، بدأنا في استشارة مجموعة من الأطباء، كنا نشعر بالتخبط لأننا لم نجد متخصصين من بين الأطباء العرب في إسطنبول، قمنا باستشارة أطباء أعصاب من خلال الإنترنت، كان بعضهم يؤكد سلامته بينما البعض الآخر ذكر لنا أنه مصاب بسمات التوحد"!.