- الرئيسية
- المركز الاعلامي
صحيفة الجامعة
الإصلاحي في مواجهة التقليدي.. "البابوان" جدل كنسي بلمسة إنسانية - صحيفة الجامعة
يعد فيلم البابوان، الذي عرضته منصة نتفلكس، واحدا من الأفلام القليلة التي ناقشت مشاكل الكنيسة بشفافية وثورية. الفيلم بطولة أنتوني هوبكنز في دور البابا بينديكت الـ16، وجوناثان برايس في دور البابا فرانسيس، ومن إخراج فرناندو ميريليس، وتأليف وسيناريو أنتوني مكارتين، وتقدم أحداثه من خلال أربع لغات، الإنجليزية والإسبانية والإيطالية، اللاتينية.
يبدأ الفيلم باستدعاء الكاردينال خورخي ماريو بيروغوليو، رئيس أساقفة بوينس آيرس، إلى مدينة الفاتيكان عقب وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، لانتخاب البابا الجديد. ينقلنا الفيلم إلى أجواء شديدة الخصوصية، بداخل الفاتيكان، حول طرق انتخاب البابا، وكيفية التصويت، والتقاليد القديمة للملابس التي يرتديها البابا وحذائه وخاتمه وصليبه.
ربما يعتقد البعض أنها تفاصيل تبدو مملة أو تخص الديانة المسيحية، لكنها قدمت في الفيلم بطريقة ممتعة وساحرة، بداخل حكاية شديدة الإنسانية.
بين الإلهي والإنساني
البابا ليس مسؤولا فقط عن 1.2 مليار شخص من أتباعه، لكنه مسؤول أيضا عن آلاف السنين من العقيدة والتاريخ والصراعات المستمرة حتى يومنا هذا. يعرض الفيلم المسؤولية المخيفة للبابا، ومحاولاته لتجاوز الطبيعة البشرية بكل عيوبها وهفواتها، ليكون ممثلا للإله على الأرض -بحسب العقيدة المسيحية- وكيف يمكن أن يصبح ذلك الاختبار قاسيا وصعبا وكبيرا.
يبحث الفيلم في تلك الفجوة بين ما هو إنساني وما هو إلهي، حيث يقع كل من هوبكنز وجوناثان كباباوات في تضارب المعتقدات، وتضارب الطريقة التي ينظرون بها إلى خدمة الكنيسة، خاصة بعد انتخاب أنتوني هوبكنز "البابا بينديكت الـ16" الكاردينال المحافظ التقليدي، ليجيء بعده مباشرة الكاردينال بيروغوليو الذي يعتبر ثوريا وإصلاحيا.
بعد سبع سنوات من ولاية البابا بينديكت الـ16، تتورط الكنيسة في مخالفات التستر على فضائح وجرائم بعض الكرادلة، تخص التعدي على الأطفال، وتجاوز البابا عن تلك الجرائم، خوفا من فضح الكنيسة، وعدم اتخاذ أي إجراء عقابي سوى نقل المتهمين لأماكن جديدة، لتستمر جرائمهم ضد أطفال جدد. في الوقت نفسه يتطلع الكاردينال بيروغوليو إلى الاستقالة والتقاعد، ليقضي أيامه ككاهن بسيط، لكن البابا يرفض تقاعده، حتى لا يعتبر احتجاجا ضد الكنيسة.
إن مشاهدة هوبكنز وبرايس يلعب كل منهما دوره في مواجهة الآخر -رغم تعارض الشخصيات الكبير في الفيلم- تمنح المشاهد فرصة الاستمتاع بمشاهدهما معا، ويفكر في أي صف يمكن أن يكون إذا وضعته الحياة في ذلك الاختبار الصعب.
يعرض الفيلم الجانب الإنساني للباباوات، والتحولات الكبيرة التي حدثت في حياتهم ليصبحوا على الحال التي وصلوا إليها في نهاية الأمر. نشاهد التناقض الكبير بين البابا بينديكت الـ16 كشخص يؤصل للتقاليد حتى في ارتدائه للملابس الرسمية دائما بكامل تفاصيلها، وينظر إلى كل تلك الامتيازات التي يتمتع بها البابا كجزء أساسي من مهمته، بينما يفضل بيروغوليو التقشف والملابس والأحذية البسيطة. ويفضل دائما أن يبقى على طبيعته وأن يرد المظالم حتى لو على حساب سمعة الكنيسة وكرادلتها.
يطرح الفيلم سؤالا غاية في الأهمية، ماذا يعني قيادة الكنيسة الكاثوليكية في الوقت الحاضر؟ وأي الاتجاهات أنسب لقيادتها في ظل الصراعات الحالية؟
يحاول الفيلم الإجابة عن هذا السؤال من خلال إظهار عيوب كل من بينديكت وبيروغوليو، رغم أن قصة بيروغوليو تأخذ النصيب الأكبر من تفاصيل الحكاية، التي تظهر تواضعه وشكه المستمر في نفسه، بالإضافة إلى دوره المشكوك فيه في مساندة الديكتاتورية العسكرية في الأرجنتين، وشعوره المستمر بالذنب الذي يحمله دائما رغم محاولته التكفير عن ذلك ليس فقط عن طريق حياة التقوى، بل عن طريق وعيه بدور الكنيسة الاجتماعي في حياة الفقراء.
يبقى ماضي بينديكت غامضا في الفيلم، ويترك الكاتب مشاركته كشاب مجند في جيش هتلر معلقا دون وضوح، ويظهره كشخص منعزل ومنقطع عن العالم لدرجة أنه يأكل طعامه وحيدا ولا يتواصل مع رعاياه.
الاعتراف المتبادل
من أهم مشاهد الفيلم مشهد اعتراف البابا بينديكت الـ16 أمام الكاردينال بيروغوليو بمعرفته بجريمة الاعتداءات الجنسية على الأطفال من قبل أحد الكهنة، وتمرير تلك الجريمة دون عقاب بسبب الخوف من فضح الكنيسة، ورد الفعل الغاضب من قبل بيروغوليو على التعامل الخاطئ مع مثل هذه الخطايا ومحاولات طمسها والتعامل معها كوصمة عار، بدلا من اعتبارها جرحا يجب علاجه خاصة عند الضحايا، ليبدو أن المعركة بين الإصلاح والتقليدية ليست مجرد نقاش أو خلاف فكري، لكنها قضية لها عواقب وخيمة بالفعل على حياة الناس.
لا يمكن اعتبار الفيلم سيرة ذاتية لأي من الشخصيتين، بل كانت حياتهما إلهاما للقصة، حول الصراع الإنساني مع الخطايا، وأوجه القصور البشري التي تطال الجميع، عن طريق قصة إنسانية، بلمسة كوميدية جذابة وتفاصيل ربما كان المشاهد يعتقد أنها بعيدة تماما عن حياة الكنيسة، وخاصة في مشاهد مثل تناول البيتزا والمشروبات الغازية، أو تشجيع مباريات كرة قدم بين الأرجنتين وألمانيا.
تلك المشاهد التي جمعت بين هوبكنز وبرايس خارج نطاق الكنيسة والمناقشات الجدلية قدمت تجربة ممتعة لكل مشاهد.