- الرئيسية
- المركز الاعلامي
صحيفة الجامعة
لماذا تركت إيران المذهب السُنّي بعد 800 عام؟ - صحيفة الجامعة

كُنّا ملوك الدنيا وساداتها حين كان العرب حُفاة عراة يرعون الإبل في الصحراء، ثم غلبونا بالإسلام، أما آن الأوان أن نغلبَ بالإسلام كما غلبوا؟
*مقولة فارسية
قبل مولد النبي محمد بـ11 عامًا، وتحديدًا في عام 560 ميلاديًا، كانت الإمبراطورية الفارسية قد جاوزت من الدهر أكثر من 1100 عامٍ بجلوس كسرى الثاني على العرش، وكان الملك الفارسي الذي لم يُهزم إلا في معركة واحدة طيلة حياته مشهورًا بغضبه الذي قاد جيوشه للاندفاع نحو آسيا الصغرى شرقًا وجنوبًا، ثم إلى الإمبراطورية الرومانية التي كادت أن تسقط حين وصلت خيوله عند أبواب قسطنينة، وامتد مُلكه أيضًا ليسع الشام وما حولها وبيت المقدس وما فيه حتى وصل إلى مصر ودخل الإسكندرية ظافرًا.
وحين اشتد عود الإسلام ولم يعد غضًا طريًا، بعث النبي مُحمد إلى بعض ملوك الأعاجم يدعوهم إلى الإسلام، ولمّا وصل الكتاب الذي جاء فيه: «من محمد بن عبد الله ورسوله إلى كسرى عظيم فارس.. أسلم تسلم»، لم يُكمل الملك الفارسي القراءة ومزق الرسالة غاضبًا، ثم أرسل إلى نائبه على اليمن يأمره بإحضار ذلك القُرشي الذي بدأ الكتاب باسمه وجعل كسرى الأخير من بعده؛ وحين وصل رُسل الإمبراطور الفارسي إلى النبي مُحمد كان الملك الغاضب قد قُتل على يد ابنه، فبعث الرسول رسالةً إلى الملك الجديد جاء فيها: «وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى»، وحين وصلت الرسالة لم يشأ وريث العرش أن يُكرر تجربة الغضب والانتقام مرة أخرى.
كيف أسقطت جيوش عُمر بن الخطاب الإمبراطورية الفارسية؟
وددتُ لو أن بيننا وبين فارس جبلًا من نارٍ لا يصلون إلينا منه، ولا نصل إليهم
*عمر بن الخطاب
عندما تولى أبو بكر الخلافة عام 11 هجريًا، كان السواد الأعظم من الجزيرة العربية قد ارتد عن الإسلام، فسيّر الخليفة الجيوش لبدء حروب الردة وإخضاع القبائل تحت الحُكم الإسلامي الوليد، ولما ظفر أبو بكر بما أراد، أمر بتوجيه الجيوش لفتح العراق التي كانت تحت الحُكم الفارسي، وكذلك الشام التي أُعتبرت أرضًا تابعة للإمبراطورية الرومانية وقتها، ونجح خالد بن الوليد في فتح العراق لكن الفُرس قادوا حروب الاسترداد فانتزعوا العراق التي باتت من أملاكهم القديمة.
وفي عام 13 هجريًا، أصبح عمر بن الخطاب خليفة المسملين بوفاة أبي بكر، فاستكمل مسيرة الفتوحات الإسلامية، تزامنًا مع وصول آخر ملوك الدولة الساسانية يزدجر الثالث إلى الحُكم، فقضى على الخلافات الداخلية ثم توّحد مع الإمبراطورية البيزنطية من أجل التصدي للزحف العربي ومنع قيام إمبراطورية عربية متاخمة للإمبراطوريتين، فنشبت عدة معارك في العراق أبرزها معركة «القادسية» عام 15 هجريًا، والتي تجهّز لها الفرس بـ200 ألف جندي مُدججين بالسلاح والفيلة، مقابل 30 ألفًا من المُسلمين، ودارت رحى الحرب أربعة أيامٍ كاملة انتهت بمقتل رُستم قائد الفرس وانسحاب جيشه خارج العراق التي أصبحت إمارة إسلامية، ولم يكن عُمر بن الخطاب يرغب في عبور العراق إلى قلب الدولة الساسانية، حتى ذلك الوقت.
أرسل يزدجر الثالث جيوشه مرة أخرى في محاولات مُنظمة لاستعادة العراق، فأعدّ المسلمون جيشًا كبيرًا، وانطلقوا لأول مرة داخل الحدود الفارسية؛ فدارت معركة «الأهواز» -جنوب غرب إيران-عام 16، فانسحب الفُرس منها إلى عُمق الأراضي الفارسية، وهو ما بدا خطرًا على الإمبراطورية التي واجهت انحسارًا في أملاكها الغربية إضافة إلى الصراعات الداخلية، لذا عمد الملك الفارسي إلى إثارة العصبية القومية للقضاء على العرب فكاتب أهل المدائن البعيدة للاستعداد للمعركة الفاصلة، وفي عام 20 هجريًا بلغ إلى مسامع عُمر بن الخطاب أنّ الفُرس تجهّزوا بجيشٍ قوامه 150 ألف ثائر في نهاوند، فدارت آخر أقوى المعارك بين الطرفين، واستسلمت المدينة في النهاية بعد انسحاب الجيش ووافق أهلها على دفع الجزية.
بعدما صارت الإمارات الفارسية تتقطع واحدة تلو الأخرى، كان الملك يزدجر الثالث ينتقل من إمارة لأخرى، وهكذا دار المسلمون خلفه أيضًا، فدارت عدة معارك وفتوحات مرت بهمذان وأصفهان وانتهت بالوصول إلى خُراسان شرقًا، آخر حدود الإمبراطورية الفارسية عام 22 هجريًا، وبعدما سقطت دولته أخذ ملكها ينتقل شريدًا بين الملوك حتى قُتل في النهاية، وبذلك أصبحت حدود الخلافة الإسلامية تمتد من خُراسان وحتى ليبيا مرورًا بالجزيرة العربية كاملة ومنها القدس، وفي عام 23 هجريًا طُعن الخليفة عُمر بن الخطاب ست طعنات على يد أبي لؤلؤة المجوسي الذي أراد أن ينتقم من الرجل الذي أسقط حضارة الألف عام.
المسلمون الأعاجم.. حين غلب الفُرس بالإسلام كما وُعِدوا
بعدما أعطى أهل الحل والعقد البيعة لعثمان بن عفان بالخلافة، تجددت آمال ذوي الحس الفارسي مرة أخرى بالانفصال عن الدولة الإسلامية والامتناع عن دفع الجزية، خاصة أنهم لم يحتكّوا بالجيوش العربية التي دخلت مدنهم، نظرًا لأن استراتيجية عمر بن الخطاب كانت قائمة على عزل الجنود بعيدًا عن مدن الحضارة، في مناطق عسكرية نائية للاحتفاظ بروح المُحارب الذي سيقود الفتوحات، لذا بقى أغلب الفُرس على ديانتهم المجوسية مقابل دفع الجزية، لكنهم بعد موت الخليفة الذي أسقط دولتهم شرعوا في القيام بالثورات والتمردات، لكنّها جميعًا أُخمدت بالقوة، ومع الوقت دخل معظمهم في الإسلام، ومع احتفاظهم بالنزعة الفارسية أمام القومية العربية، رفع بعض الفُرس مقولتهم المتداولة: «كُنّا ملوك الدنيا وساداتها حين كان العرب حُفاة عراة يرعون الإبل في الصحراء، ثم غلبونا بالإسلام، أما آن الأوان أن نغلبَ بالإسلام كما غلبوا؟».
حين فتح المسلمون مصر والمنطقة المغاربية تعرّب أهلُها، لكنّ على الجانب الآخر ظل الفرس على لُغتهم وثقافاتهم، بل إنهم أثروا في الحضارة الإسلامية الوليدة، فنقل الخلفاء عنهم نظام الإدارة و إنشاء الدواوين، وكان ديوان خراج العراق يُكتب باللغة الفارسية حتى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، كذلك اتبع العرب مثلهم نظام الملكية الوراثية في الحكم فيما بعد فترة الخلافة الراشدة، وتأثر العرب أيضًا باللغة الفارسية التي غيرت من مضامين الشعر العربي.
في المقابل، أعطت العربيّة الفارسيّة علم العروض والبديع، كذلك نقل عنهم العرب الحكم و الأمثال التي خلدها النثر العربي أمثال «الأدب الصغير و الأدب الكبير» لابن المقفع الفارسي، و«العقد الفريد» لابن عبد ربه، ويذكر التاريخ أنّ أكابر علماء الحضارة الإسلامية كانوا من أصلٍ فارسي أمثال ابن سينا والبخاري والرازي، حتى أنّ سيبويه إمام النُحَاة وأحد أعلام اللغة العربية كان أيضًا فارسي.
وبالرغم من إسهامات الفرس في الحضارة العربية، إلا أنّ الدولة الأموية حافظت على تصدر العنصر العربي في الدولة، ومنعت غير سليل القبائل العربية من الوصول للمناصب الكبرى في قيادة الجيش وتولي الأمصار، لذا تحالف الفرس الذين لم يتنازلوا عن لُغتهم ولا عن عصبيتهم الفارسية مع العباسيين لإسقاط الدولة الأموية، فاتخذ العباسيون من خُراسان البعيدة عن دمشق، عاصمة الخلافة الأموية، مقرًا للتخطيط من أجل إزالة حُكم الأمويين، وبدا الأمر وكأنه غزوًا فارسيًا على حضارة العرب، فانطلقت جيوش أبي مسلم الخرساني تنتزع أملاك الأمويين في فارس واحدة تلو الأخرى، في مشهدٍ أعاد للأذهان كيف كانت جيوش عمر بن الخطاب تخوض غمار البلاد وتُسقط إمبراطوريتهم بتلك السرعة.
أصبح للفرس مكانًا بارزًا في بلاط العباسيين بعد إقامة دولتهم؛ فحصلوا على المناصب الكبيرة، ومرة أخرى يُسهم الفارسيون في بناء الدولة، فنشطت حركة الترجمة على يد البرامكة الذين نقلوا العلوم القديمة إلى اللغة العربية، وأسهموا في إثراء الحضارة العربية التي أصبحت في أوج مجدها ثقافيًا رغم توقف حركة الفتوحات، وظل الفرسُ قطعة تابعة للخلافة العباسية حتى بعد انفصالهم وتأسيسهم الدولة الطاهرية في خُراسان على يد طاهر بن الحسين، قائد الخليفة المأمون،الذي اعترف شكليًّا بولائه للخليفة، لكنها مهدت للاستقلال فيما بعد، وفي السنوات الأخيرة من ضعف الدولة العباسية -سقطت عام 1517 بسبب الغزو المغولي- كانت البلدان الإسلامية على الخريطة العربية مقسمة بين الدولة الفاطمية والدولة الأيوبية والدولة الإخشيدية، ودولة السلاجقة، والدولة العثمانية.
حتى إيران تتابعت عليها الإمبراطوريات المغولية والفارسية والكردية والتركية حتى جاء عام 1501 ميلاديا، عندما تأسست الدولة الصفوية التي صنعت قطيعة واضحة بين المُسلمين العرب والفرس امتدت آثارها إلى اليوم.
«الدولة الصفوية».. لماذا تركوا المذهب السُنّي بعد 800 عام؟
في عام 1480 كانت الدولة العثمانية (1923: 1299) توّدع سُلطانها القوي محمد فاتح الذي قضى على الإمبراطورية البيزنطية وفتح قسطنطينية، وخَلَفَه من بعده ابنه بايزيد، ولقبته بعض كتب التاريخ بالصوفي لأنه كان مُسالمًا لا يجنح للحروب ولا يحب لغة السيف إلا إذا اعتدى أحدٌ على أملاكه؛ وفي عهده سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس؛ فبعث بالسفن لتحمل الأندلسيين المسلمين واليهود إلى القسطنطينية، لكنّ على بُعد عدة كيلو متراتٍ تأسست الدولة الصفوية التي لم ينتبه السُلطان العثماني بأنها قد تهدد الحدود الشرقية، لكنّ الدولة العثمانية بوصول السلطان سُليمان القانوني إلى العرش أصبحت تنظر إلى الصفويين بأنهم العدو الرابض على أطراف الإمبراطورية.
كانت إيران حتى ذلك الوقت دولة يدين أكثر أهلها بالمذهب السُني الشافعي، بينما بقية الشيعة فينحسرون في أربعة مدن فقط أبرزها خُراسان وقُم، وكانت الحركات الصوفية قد وجدت لنفسها أتباعًا، أشهرها الطريقة الصوفية التي تزعمتها واحدة من أهم الشخصيات في التاريخ الإيراني الشيخ صفي الدين الأردبيلي، السني الشافعي الذي استطاع أن يحوّل حركته من مذهب صوفي ديني إلى حركة سياسية تنتزع الحُكم من القبائل التركمانية التي كانت تحكم إيران، وفي عام 1501، نجح إسماعيل الصفوي -حفيد الشيخ الخامس- في أن يؤسس الدولة الصفوية التي ستظل باقية أكثر من 200 عام، ولم تعترضها الدولة العثمانية حين نشأت لأن ذلك حدث في عهد بايزيد، وكان ظرفًا مثاليًا لإقامة الدولة، ليصبح إسماعيل أول شاه في إيران، وفي عام 1508 استولى على بغداد، عاصمة الدولة العباسية فيما مضى.
ولأنّ الصدام مع الدولة العثمانية كان حتميًا؛ عمد الشاه الجديد لتأسيس دولته على فكرة تجعلها لا تسقط أبدًا، فبدأ بإحياء النزعة الفارسية والتأكيد على تفوق العنصر الفارسي على العربي، فيذكر التاريخ تلك الليلة التي جمع فيها الشاه رجال دولته ليأخذ مشورتهم في إعلان المذهب الشيعي الإثنى عشري من مدينة تبريز -شرق إيران- والتي يدين السواد الأعظم منها بالمذهب السُني؛ ورغم الاعتراضات التي لقاها الشاه، إلا أنه عقد العزم في صباح اليوم التالي الذي كان يوم الجمعة، وذهب في حراسه جُنده الذين أشهروا سيوفهم داخل المسجد، وحين ألقى الإمام خطبته التي أعلن فيها تحويل مذهب البلاد، تعالت صيحات الغضب لكن سُرعان ما ألجمتها أسنة السيوف.
وحين سرى الخبرُ في المدن والأرجاء البعيدة، ثار عُلماءُ السُنة ضد الشاه الذي جعل جيشه بينه وبينهم، حتى ضربت المجازر من طالته رؤوس السيوف، واستسلم الضعفاء خوفًا، بينما هرب المتمسكون بدينهم بأطراف الدولة العثمانية فلحقوا بها، وحينها كتب السُلطان العثماني بايزيد إلى إسماعيل الصفوي رسالة يُخبره فيها بأن: «إلزم العقل والحكمة.. وإلا..»، ثم سارت الأمور إلى السُلطان العثماني سليم الأول الذي أعلن الحرب لإسقاط الدولة الشيعية.
في عام 1514، جمع السُلطان العثماني رجال الحرب والدين والحُكم، وخاطبهم بأنّ الدولة الصفوية تمثل خطرًا على دولة الإسلام وأنّ الشاه الإيراني بفرضه المذهب الشيعي قد بنى حاجزًا بين المسلمين السنة في وسط آسيا والهند وأفغانستان وبين إخوانهم في تركيا والعراق ومصر، والتقى الطرفان في صحراء جالديران شرق الأناضول، ولم يصمد الجيش الصفوي أمام السُلطان العثماني الذي دخل تبريز ، عاصمة الصفويين، واستولى على ما فيها بعد هروب الشاه، واعتقد سليم الأول خطًأ أنّ الدولة الصفوية سقطت، لكنّ إبراهيم الصفوي استطاع أن يعود بدولته ويجعل منها إمبراطورية ستشتبك مع الدولة العثمانية في عدة حروب وستنتصر عليها في بعضها حتى سقوطها عام 1736.
وفي الوقت الذي كانت تستريح فيه الجيوش من الحرب، كانت المؤسسات الدينية تخوض حروبًا أخرى أشد ضراوة، فليس من السهولة نزع المذهب السُني الذي ظل رابضًا في صدور أتباعه بإيران ما يزيد على 800 عام، لذا أعلن شاه إيران دعوة أصحاب المذهب الشيعي من العرب وغيرهم، وأسسوا أول مدرسة شيعية بعدما كانوا يستعينون بعلماء لبنان وغيرهم في تعليمهم المذهب الشيعي، وبمرور الوقت أصبحت الدولة الصفوية تمثل تهديدا لجيرانها السنة بسبب رغبتها في الاتساع والتمدد.
ولاية الفقيه.. كيف تطورت من الدولة الصفوية إلى الثورة الإيرانية؟
يؤمن شيعة المذهب الإمامي الإثنى عشري بضرورة أن يكون لرجال الدين ولاية على المُسلمين إلى آخر الزمان، ويرجع اسم المذهب الإثنى عشري إلى 12 إمامًا من نسل الإمام علي بن أبي طالب، المنسوب له -في المذهب الشيعي- أحاديث للنبي محمد بوجوب اتّباعه، لذا ظلّت طائفة من المُسلمين ممن تسمّوا بالمذهب الشيعي يتبعون أئمة آل البيت حتى الإمام الحادي عشر،الحسن العسكري، الذي توفي في عهد الدولة العباسية عام 260 هـجريًا، دون إعلانه عمّن سيخلفه -الإمام الإثنى عشر الغائب-، وبوفاته انقسم البيت الشيعي إلى 14 فرقة، واحدة منها فقط هي التي تؤمن بوجوب أن يكون في كل زمان «إمامٌ معصوم إلى أن تقوم الساعة»، لذا ظلّ البحث عن الإمام المهدي المنتظر الغائب فنشأت «عقيدة الانتظار» التي أنقذت المذهب من الضياع، إلى جانب عقيدتي «التقية والإمامة».
دخل المذهب الشيعي الإثنى عشري -الطائفة الشيعية الأكبر- منذ تلك اللحظة في أزمة فقهية كبرى؛ ففي ظلّ غياب الإمام تعطلت كلّ وظائف الدولة الدينية، لذا أفتى الفقهاء بعد طول الغيبة الكبرى للمهدي –الذي لم يظهر حتى الآن- بجواز الإنابة عن الإمام المنتظر، وهي فكرة أنقذت المذهب من الضياع على الأقل من الناحية الدينية رغم الجمود السياسي، ومع ذلك فقد ظلت فكرة غياب الإمام تتناقض مع فلسفة الإمامة التي تقول بعدم جواز خلو الأرض من قائم لله بالحُجة، لذا تطوّرت نظرية «ولاية الفقيه» التي وضعت الحل الجزئي للاستنباط والاجتهاد في فروع الدين بعيدًا عن السياسة.
في عهد الدولة الصفوية كان الشيعة على موعدٍ مع ثورة فقهية جديدة، فقد كان شاه طهماسب الأول (1517-1567) مُقيدًا في حُكمه من مراكز القوى ومنها جنود القزلباشية، وكان الحل السحري للشاه أن يُراسل كبير الشيعة الشيخ عليّ الكركي لكي يعتلي رأس الهرم الديني بولايته، بوصفه نائبًا عن الإمام المهديّ الغائب، وبذلك تطيعه كل أركان الدولة، وكانت صفقة التزاوج بين السُلطة والدين في صالح الشاه، لكنها ذات الفكرة التي ستهدم النظام الملكي فيما بعد.
في كتابه «البيع»، كتب الخُميني: «للفقيه العادل جميع ما للرسول والأئمة، مما يرجع إلى الحكومة والسياسة، ولا يُعقل الفرق»، ما يعني أنّ الخُميني أطاح بكل القواعد الفقهية القديمة، وتجرأ لأول مرة بإعطائه للوليّ الفقيه الولاية المطلقة الكاملة على المسلمين، الولاية التي كانت للنبي محمد نفسه باعتباره معصومًا من الخطأ، وحين أصبح الخميني بعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 أول مرشد للثورة أصبح يجسد فعليًا هذه النظرية.