- الرئيسية
- المركز الاعلامي
صحيفة الجامعة
توجت بنوبل عن خيالها السردي الموسوعي.. البولندية المثيرة للجدل أولغا توكاركوك - صحيفة الجامعة
قدّمت جائزة نوبل للآداب هذه المرة اسمين كبرا في عالم الأدب بشكل مختلف أدبيا وسياسيا، وكذلك هما مختلفان بالنسبة للإعلام والقارئ العربي، أولهما أولغا توكاركوك التي فازت بجائزة نوبل عن 2018 نتيجة حجب الجائزة على خلفية اتهامات أخلاقية.
وتُعتبر أولغا (57 عاما) أديبة مجهولة بنسبة كبيرة في منطقتنا العربية، وربما نيلها جائزة البوكر المعروفة في العام الماضي (2018) كان سيُعجّل بترجمتها إلى العربية، وخاصة روايتها "رحلات" الفائزة آنذاك، ولكن لم تُمهل الأيام المترجمين، فسرعان ما نالت جائزة نوبل للآداب يوم أمس لعام 2018، وهذا ما يُرسّخ الوصف الذي أطلقه النقاد عليها بأنها "أنجح كاتبة أوروبية" بنيلها جائزتين عظيمتين في عام واحد.
ووفق ما قاله الإعلام -بعد نيلها جائزة نوبل لعام 2018- فإنّ أولغا تُعتبر من "أنجح كُتاب جيلها شهرة ورواجا حتى قبل حصولها على نوبل، وربّما جاءت الجائزة متعجّلة إليها". وربّما يعني ذلك أن الجائزة الكبرى كان من الممكن أن تنتظر لعدّة أعوام أخرى، طالما أنها نالت "المان بوكر" في العام الماضي، وأدى ذلك إلى انتشارها عالميا من خلال استعادة ترجمة رواياتها السابقة، مثل رواية "اضطراب".
من جهة أخرى، رأى بعض النقاد أن نيل أولغا لجائزة نوبل يعني أنها تستحقها ليس لكونها كاتبة فقط، خاصة مع وجود كاتبات مخضرمات وشهيرات مثل مارغريت أتوود (1939) وماريز كوندي (1937) ولودميلا أوليتسكايا (1943)، وبالتالي انحيازا لقيمتها في الكتابة أكثر من كونها امرأة كان لا بدّ من اختيارها بين عدد آخر من الأديبات.
"رحلات" تاريخية تقودها للعالمية
بدأت أولغا عالمها الأدبيّ مع نشر مجموعة شعريّة "مدينة في مرايا" (1989) وهي في السابعة والعشرين من عمرها. ثم أتبعت ذلك بروايتها الأولى "رحلة كتاب البشر"، وهي رحلة عاشقين للبحث عن "سر الكتب"، وهي إشارة رمزيّة للبحث عن الحياة نفسها. يجري الكتاب في فرنسا القرن السابع عشر حتى نشر الرواية في عام 1993، التي حقّقت للكاتبة شعبيّة كبيرة سواء لدى القرّاء أو النقّاد.
بعدها بثلاثة أعوام نشرت تتمة الرواية تحت عنوان EE، وهو الأحرف الأولى من اسم بطلته Erna Eltzner وهي فتاة نشأت في عائلة بورجوازيّة ألمانيّة بولنديّة طوّرت قدراتها بشكل خارق.
أيضاً في عام 1996 نشرت أولغا روايتها الثالثة بعنوان "أور وأزمنة أخرى" وهي روايتها التي ما زالت تصدر في طبعات جديدة، وتحقق لها نجاحا مستمرا أدبيا وتجاريا، وتدور في مدينة "أور" المتخيّلة في شرق بولندا، الذي يسكنه المحاربون القدامى غريبو الأطوار.
أولغا تروي حياة سكان تلك المدينة خلال ثمانية عقود، أي منذ عام 1914. المدينة التي تكون تحت حماية أربعة ملائكة هم رفائيل وأوريل وغابرييل ومايكل، وتروي أولغا بالتوازي التاريخ البولندي المختلف والمتنوع، مع حكايا ومصائر الناس، مع ما يتلقونه من أفراح وعذابات، بذلك الأسلوب التي تبدو فيه "أور" كأنّها منظورة من خلال زجاج محترق!
سرعان ما تُرجمت هذه الرواية إلى كثير من اللغات، من بينها الألمانيّة، ومن وقتها صار يُنظر إلى أولغا توكاركوك على أنّها من أفضل أصوات السرد البولندي، وكانت وقتها في الرابعة والثلاثين من عمرها.
بعد هذا الاحتفاء الكبير ابتعدت أولغا عن الشكل المعروف للرواية التي اشتهرت به إلى كتابة نصوص ومقالات نثرية، ليصدر كتابها "خزانة ملابس" (1997)، وهو عبارة عن ثلاثة نصوص قصيرة تحت عناوين (نهار منزل. ليلة منزل. 1998). صحيح أنه صدر رواية، كما يظهر على غلافه، غير أنه كان مزيجا من نصوص تبدو مثل رقع على سجادة واسعة. رسومات ومقالات نثرية حول الماضي والحاضر في مسقط رأس الكاتبة على الحدود البولنديّة التشيكيّة. على الرغم من أنه كان الكتاب الأكثر صعوبة، على الأقل بالنسبة لأولئك الأقل دراية بتاريخ أوروبا الوسطى، فإنه كان الكتاب الوحيد، حتى ذلك الوقت، الذي تُرجم لها إلى الإنجليزية.
منذ ذلك الوقت نشرت أولغا مجموعتين من القصص القصيرة "الدمية واللؤلؤة" (2000) و"العزف على طبول كثيرة" (2001)، وشاركت مع اثنين من القاصين المجايلين لها وذوي الشعبيّة مثلها (جيرزي بلش وأندريه ستاسيوك) في إصدار كتاب قصصي من وحي أعياد الميلاد.
بعد ذلك عادت إلى كتابة تلك الروايات الضخمة، بأزمنتها الطويلة، وشخصيّاتها الكثيرة، وحكاياتها التي تبدو لا نهائيّة، ضمن التاريخين البولندي والألماني، وكذلك الأوروبي، الذي يبدو وكأنّه لا ينتهي بين يدي أولغا، فأصدرت روايتها "اضطراب" التي تُرجمت مباشرة إلى كثير من اللغات الأوروبيّة، ولتنهال عليها الجوائز والمنح والطبعات والأرباح، لحين صدور روايتها الأشهر "رحلات" التي حازت على جائزة المان بوكر.
إثارة الجدل
وبحسب صحيفة الغارديان فأولغا هي نسوية نباتية، وتعيش مع شريكها المترجم وكلابها في منطقة ريفية في سيليزيا السفلى التي أصبحت جزءًا من بولندا فقط بعد الحرب العالمية الثانية.
وكان عمل أولغا "قد محراثك على عظام الموتى" قد مضى عليه عشرة أعوام عندما ترجم إلى الإنجليزية، ويدور عن حكاية امرأة عجوز غريبة الأطوار تحقق في جرائم قتل البشر والحيوانات في مجتمع الغابات النائية، وتتعرض للتحالف بين القوة والمال والبطريركية حتى نهايتها المأساوية.
وبدا العمل متسقا تمامًا مع أزمتنا السياسية والبيئية الحالية، وعندما تحولت الرواية إلى فيلم في مهرجان برلين السينمائي عام 2018 نددت به وسائل إعلام بولندية ووصفته بأنه "عمل معاد للمسيحية بشدة ويشجع الإرهاب البيئي".
في المقابل ردت أولغا بالقول ''كنت ساذجة جدا إذ اعتقدت أن بولندا ستكون قادرة على مناقشة المناطق المظلمة في تاريخنا".
وتحكي روايتها الأخيرة "كتاب يعقوب" قصة زعيم ديني في القرن الثامن عشر يدعى يعقوب فرانك، قاد عملية التحول القسري لأتباعه اليهود إلى الإسلام والكاثوليكية في مراحل مختلفة، وتتناول الرواية حلقة مهمة من التاريخ اليهودي.
وعندما نُشرت الرواية عام 2014، تم استنكارها واعتبارها خيانة وطنية لجرأتها على القول إن بولندا لم تكن مجرد ناجٍ شجاع من الاضطهاد بل مارست اضطهادا مروعا للغاية كذلك في بعض الأحيان من تاريخها.
ورغم أن الرواية مست الانقسامات التاريخية والأيديولجية في الأدب البولندي واستقبلت بطريقة عدائية في الأوساط القومية البولندية، فإنها نالت استحسان النقاد والقراء، وبسبب أجواء من الشحن والكراهية كان على ناشر الرواية استئجار حراس شخصيين لها، ومع ذلك قرئت الرواية من قبل عشرات الآلاف وفازت بأكبر جائزة أدبية في البلاد ويجري ترجمتها للإنجليزية حاليا.
خيال سردي موسوعي
لقد كان توصيفا صحيحا من لجنة نوبل بأنّ أولغا توكاركوك تملك "خيالاً سردياً يمثّل بخوالج موسوعية عبور الحدود، باعتباره أسلوب حياة" وبأنّها "تبني روايتها ضمن مجال التوتر بين الأضداد الثقافيّة: الطبيعة مقابل الثقافة، والعقل مقابل الجنون، والرجل مقابل المرأة، والوطن مقابل الاغتراب".
أولغا التي استعملت خبراتها في الطب النفسي لبناء دواخل شخصيّاتها من جهة، وكذلك لفضح الجرائم التي ارتكبها رجال من السلطة عبر تاريخ بولندا، تلقت تهديدات وصلت إلى القتل، ستشهد رواياتها ترجمات كثيرة، وخاصة إلى اللغات التي لم تسبق الترجمة إليها، ومنها اللغة العربية.